شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أنا آسف جداً (1) !
تفضل رئيس التحرير فدعاني إلى الكتابة في العدد الممتاز -كشأنهم كل عام- يوم يتفضلون فيدعونني إلى المساهمة في تحريره، وأنا هنا أقصد بصيغة الجمع هيئة التحرير..؟! على أني لست أدري كيف استدرجوني في أول سنة أصدروا فيها العدد الممتاز من هذه الجريدة، ولا أذكر أيضاً تلك الوسيلة التي اندفعت معها إلى الغوص في اللجنة الأدبية وليس تحتي غير خشبة هزيلة رقيقة أخشى أن ألمسها فتستحيل ورقة..!
كان ذلك من زمان! أما الآن فقد ألقي في روعي بفعل الإِيحاء والإيهام أني أملك زورقاً فخماً منيعاً أستطيع أن أضرب به حيث أشاء في هذه اللجة الذهبية التي لا تغرب عنها أشعة الشمس أبداً، وكيف تغرب عنها وهي تتجرد كل مساء لتسبح فيها ملتهبة قانية.
أحسب أني تطاولت في الادعاء إلى حيث لا ضرورة للتطاول، والادعاء سهل، ولكن الإثبات هو الصعب، وقد تلقيت هذه الحكمة من الأستاذ عبد الوهاب آشي (2) فإليه جزيل الثناء، غير أني أسارع فأقول: إن الذي يستطيع أن يدعي يستطيع أن يثبت، وما يمنعه وقد كذب في الادعاء أن يكذب في الإثبات، بل كيف لا يستطيع أن يثبت وهو قد استطاع أن يدعي، وكيف لا تساعفه القحة (3) في النهاية بعدما ساعفته في البداية، وما الفرق بين الادعاء الكاذب والإثبات الكاذب إلاّ كالفرق بين الماء في إناءين أحدهما أبيض والثاني أسود!
لكن رئيس التحرير قد قيَّد المساهمة في تحرير العدد الممتاز -لهذه المرة فقط- بأن يكون الذي يكتب فيه مما يفيد جمهرة القرّاء، لكني أسأله ولا أطالبه بالجواب: أين هم جمهرة القرّاء، وهل هم -مع فرض وجودهم- يلحون في طلب الاستفادة، وما هو الشيء الذي يمكن أن يستفيدوا منه؟
وإلى حضرة رئيس التحرير أسوق هذه المحاورة من قصة عندي بعنوان "رئيس التحرير".
صاحب الامتياز "يخاطب رئيس التحرير" اسمع يا أحمد، لقد أصبحت الأمة في واد وأصبحت أنت وحدك في واد، إنك تكتب افتتاحياتك بالقلم الذي تكتب به مذكراتك اليومية ورسائلك الخاصة؛ ولهذا فإن افتتاحياتك أصبحت لا تقرأ أبداً!
المحرر (ببساطة): لا أستطيع أن أكتب إلاّ هكذا..
صاحب الامتياز: ألا تحاول أن تفهم؟ إن القرّاء الآن يقرؤون كل شيء حتى الإعلانات ولا يعيرون كتاباتك اهتماماً..
المحرر: ذلك يا سيدي ما لا أملكه فبوسعي أن أكتب، ولكن ليس بوسعي أن أفرض على الناس قراءة ما أكتبه!
صاحب الامتياز: أنت دائماً لا تكتب إلاّ في أحلامك وأوهامك، المثل العليا للأدب، غاية الفن، فلسفة الحياة، عبقرية الشاعر، أثر القصة في بناء المجتمع؛ ولكنك لم تكتب أبداً في المواضيع التي تهم الشعب والبلاد وتنفع سواد القرّاء..
المحرر: لو كان لي أحلام وأوهام إذن لعشت سعيداً مرفهاً! ولكن ليتني أدري ما هي تلك المواضيع التي تهم الشعب والبلاد وتنفع سواد القرّاء؟!
صاحب الامتياز: مثلاً -منجم الذهب الذي اكتشف حديثاً في جنوب المملكة ماذا كتبت فيه؟ لقد أمرتك أن تشغل به قلمك ساعة من نهار، وها قد مضى على اكتشافه عدة أسابيع، ولم تفعل ما أمرت به!
المحرر: آه لقد حسبتك تعني بمنجم الذهب هذا الشاعر الفنان الذي عثرنا عليه، والذي استطعنا أن نضمه إلى أسرة هذه الجريدة التي ازدادت رواجاً وانتشاراً يوم أخذ ينشر فيها باستمرار مقطوعات من شعره الجميل، وقد كتبت عنه افتتاحية ذكرت فيها أنك وصفته بأنه منجم ذهب يتجدد في حياة أخرى أكثر لمعاناً وأخلص مادة مما قبلها، وقلت: إن هذه الكلمة الشعرية من صاحب الامتياز تعطينا -على إيجازها- دليلاً صادقاً على أن قائلها ذو ذوق ممتاز في الشعر وفهم عميق لهم..!
صاحب الامتياز "يغرق في الضحك": يا لك من مغفل جد مغفل!
المحرر: أتقول إني مغفل يا سيدي؟
صاحب الامتياز وأي تغفيل أسود وجهاً من هذا؟
المحرر: إذن يا سيدي إليك هذا القلم الذي قدمته إلي هدية يوم كتبت الافتتاحية الأولى في الجريدة، أنا آسف جداً، ولا أستطيع أن أعمل أكثر مما عملت، سأذهب لأعيش في أحلامي وأوهامي؛ لأتركك تعيش في منجم ذهبك الذي أغشى بصرك بريقه، أنا آسف جداً يا سيدي!
هذا الفصل الأخير من القصة، نعم أنا آسف جداً يا حضرة رئيس التحرير إذا لم أستطع لهذه المرة فقط أن أساهم في تحرير العدد السنوي الممتاز من جريدتكم؛ لأني -أولاً- ليس عندي ما يؤهلني لإفادة جمهرة القرّاء، فأنا أحوج منهم إلى الإفادة؛ ولأني -ثانياً- أملك فراغاً هائلاً أستطيع معه أن أسود آلاف الصفحات كل يوم، والفراغ إذا تمدد وطال وتجاوز حده الموقوت أصبح أقتل للجسم وأنهك للنشاط وأبلد للذهن من العمل المتواصل المرهق!
أجل أنا آسف جداً يا سيدي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :657  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 103 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد عبد الصمد فدا

[سابق عصره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج