شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ملامح (1)
كنت -وما أزال- في غاية البلادة، وكل ما يتوهمه القرّاء من ذكائي المفرط إنما هو وهم زائل خلقته هذه "الشهرة" التي تأتي عن طريق مضغ الكلام ولوكه وازدراده عند اللزوم، والكلام الذي يزدرد عند اللزوم، هو الكلام الذي نستحي أو نخاف أن نقوله.
والشهرة -حيث تكون- عمياء رعناء؛ فقد اشتهر "قط" كان يدلـله الكاتب الفرنسي المشهور "أناتول فرانس" وكان يسميه "هانيبال" تيمناً باسم القائد القرطاجني المعروف.
كنت غبياً إلى حد أني لا أعلم عن غبائي شيئاً، بل كنت أعتقد وأجزم الاعتقاد أن ذكائي يساوي ذكاء البشر بأجمعهم، وكنت أشعر وأنثر، وأكتب في برامج التعليم وتربية الأطفال والتفسير والفقه أيضاً، وأعني نفسي بالرد في بعض الصحف على كتَّاب أعلام في الداخل والخارج، فما أشبهني بالخنفساء الحمقاء التي تتسلق ظهر الجمل، ويزين لها الوهم حينذاك أنها أكبر من الجمل نفسه!
ولم يقتصر ادعائي على ذلك فقط، فإن ذلك يهون، ولن يضير الأدباء بحال أن يندس بينهم فضولي مغامر مثلي، ولكن هناك ما هو أدهى وأمر من كل ما سبق، وما من شيء يكون قبيحاً في ناحية إلاّ كان حسناً -حسناً خفيفاً- في ناحية أخرى، فهذا الذي هو أدهى وأمرّ، أصبح مضحكاً ومسلياً للآخرين إلى حد بعيد.
إن دمامة وجهي المعروفة يختفي منها ثلث في نفسي، ويحتجب ثلث وراء عيني، ويتوارى الثلث الباقي في المرآة، فوقر في ذهني، ورسخ في نفسي أني أبرع جمالاً من "نرجس بن ليريوك" كما تقول الأسطورة الإغريقية.
ولم أخرق الأرض، ولم أبلغ الجبال طولاً فقد كنت حريصاً على نعمة التواضع لأزداد بها رفعة وعلواً.
وقد أخذت لنفسي رسوماً هنا وهناك فبدا فيها وجه طرير، وأنف معتدل الأسلة أشم العرنين.. ولكن جرثومة "الدمامة" تجلّت كما يتجلى إشراق "الفلسفة الروحية" في فمي وأطلت من شفتي!
وحكاياتي تطول مع شهرتي وقبحي وأدبي؛ لأنها متلازمة على السواء، ولا أستطيع أن أتكلم عن سلوكي، وأخلاقي، فلذلك بحث يطول، سوف أوفيه حقه في بقية مذكراتي.
على أن شر ما يرهقني، هو غبائي المتصل، فإن من يتغابى الناس لحقيق أن يكون هو الغبي الغبي.. ودائي العقام هو أني أعتد في قرارة نفسي أن الناس أغبياء.
كلا! بل أنا الغبي الذي لا حيلة في غبائه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :743  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 51 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج