شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قادة فتح الشام ومصر
اللواء الركن محمود شيت خطاب
هذا هو الجزء الثالث من سلسلة قادة الفتح الإسلامي التي يوالي الباحث الفاضل اللواء الركن "محمود شيت خطاب" إخراجها من سنوات وقد تناول بالبحث في هذا الجزء سيرة ستة عشر قائداً عظيماً حملوا راية الإسلام خفاقة إلى بلاد ظلت لمئات السنين يحكمها القهر، وتعشش فيها الفوضى، ويسودها الظلم والاستبداد.
يتحدث المؤلف الفاضل في هذا الجزء عن "أسامة بن زيد" و "أبي عبيدة" و "الزبير بن العوام" و "عبادة بن الصامت" و "عقبة بن عامر" و "عكرمة" و "معاوية بن أبي سفيان" وأخيه "يزيد" وغيرهم.
ويمهد للكتاب بحديث موجز مستوعب عن أرض الشام ومصر وليبيا في ظلال الحكم الروماني يقول فيه:
"كان الرومان في أرض الشام وغيرها يعدون البلاد وأهلها وهم العامة ملكاً لهم يتصرفون بهم كما شاءوا.. وكان الفلاحون في كثير من البلاد يعدون من توابع العقار، فينقل العقار من مالك إلى آخر وفلاحوه، وكان بعض سكان البلاد يحاولون التقرب إلى الروم بالصناعة أو الأدب أو التجارة وهم قليلون فكان الناس طبقتين:
طبقة الخاصة وهم الملك وأهله وأعوانه، ورجال الدين، والعامة وهم أهل البلاد الأصليون وأكثرهم الفلاحون والعمال".
ثم يقول: "لقد كانت علل الفناء قد اصطلحت على بناء الدولة الرومانية الشرقية قبيل ظهور الإسلام وفي أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تلك الدولة تعيش في محنتين ماحقتين: محنة العقيدة، ومحنة النزاع على الملك والولاية.
فقد ضرب المثل بالجدل البيزنطي في التاريخ القديم والحديث من جراء الخلاف على المذاهب الدينية في الدولة الرومانية الشرقية، وكان معظم أبناء الولايات من النساطرة واليعاقبة يخافون مذهب الدولة الرسمي ويمقتون رجاله ويرمونهم بالهرطقة والوثنية".
ويواصل المؤلف حديثه حول هذه الفترة من تاريخ الشام ومصر في ظل الحكم الروماني.. إلى أن يقول: وكان رد الفعل في محنة العقيدة ومحنة اختلال الملك والسلطان ظاهراً غاية الظهور في الجيش الروماني: ارتباك في القيادة، واضطراب في الأهداف، وإخلال في الضبط، وفساد في القضايا الإدارية.
وفي تلك الأيام كان النبي الكريم صلوات الله وتسليمه عليه قد استطاع بفضل رسالته أن يخرج العرب من جاهليتهم التي جعلت دولة الروم تنظر إليهم دائماً على أنهم جنس قليل الخطورة، متخبط في نظمه الجاهلية بما فيها من أحقاد وتراث وغارات وطعان.
في تلك الأيام أخذ يفوح شذا الدعوة الإسلامية بالكتب التي بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى "هرقل" و "المقوقس" وغيرهما من قادة العالم، فلم تقدر دولة الروم تلك الدعوة التي وصلتها ولم تدرك ما انطوت عليه من عقيدة جليلة سوف تزلزل أركانها، كما لم تعر موطن العقيدة الإسلامية اهتماماً لأنها لم تتصور أن بلاد العرب سوف تصبح بفضل تلك العقيدة وحدة لها خطرها ونفوذها..
ثم يقول المؤلف: "وقد كان الرسول القائد على رأس الحماة القادرين الذين خططوا للفتح الإسلامي فهو الذي رسم بنفسه الخطة التمهيدية التي حملت الجيوش العربية على فتح "أرض الشام" وتأسيس أول ركن في دولة الإسلام خارج بلادهم على شواطئ البحر الأبيض الشرقي وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى جانب تبليغه الدعوة الإسلامية إلى قادة العالم في وقته، كان قائداً ماهراً يقظاً لا يغض الطرف عن أي مظهر عدواني قد يحط من شأن دعوته أو يعمل على النيل منها فلم يقف ساكناً إزاء استشهاد رسوله الذي بعثه إلى أمير الغساسنة في "بصرى" فأرسل في السنة الثامنة للهجرة (629م) أحد قادته المقربين إليه وهو (زيد بن حارثة الكلبي) على رأس حملة عددها ثلاثة آلاف رجل إلى الحدود الشمالية الغربية من بلاد العرب وهناك عند (مؤتة) الواقعة على حدود (البلقاء) إلى الشرق من الطرف الجنوبي للبحر الميت التقى المسلمون بقوات الروم.
"وفي العام التالي أي في السنة التاسعة للهجرة (630م) قاد النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه غزوة تبوك فأظهر قوة المسلمين وعاد إلى المدينة".
"وفي السنة الحادية عشرة للهجرة (632م) أعد النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً بقيادة أسامة بن زيد لمهاجمة الروم، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في ربيع الأول من تلك السنة (كانون أول 632م) قبل تحرك ذلك الجيش فترك لخلفائه خطة واضحة المعالم وولى وجوههم شطر قبلة عينها لهم، وهكذا وقف الرسول القائد صلى الله عليه وسلم بثاقب نظره على أن أشد الأخطار التي يمكن أن تحل ببلاد العرب وتناوئ دعوته إنما موطنها (أرض الشام) حيث الروم وعمالهم الغساسنة، وقد أثبتت حوادث الفتح الإسلامي في أرض الروم صدق هذه الإشارة، فكان الروم أشد المحاربين عناداً".
فماذا عمل أبو بكر -رضي الله عنه- لتحقيق أهداف النبي صلى الله عليه وسلم وكيف سار قدماً نحو إنجازها؟
وماذا عمل عمر بن الخطاب ومن بعده عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- لتحقيق تلك الأهداف؟
ومن هم أولئك الحماة القادرون الذين حملوا رايات العرب والإسلام شرقاً وغرباً في (أرض الشام) ومصر وليبيا؟
هذا ما يتحدث عنه المؤلف في هذا الجزء من الكتاب..
وهو ينتقل بعد هذا التمهيد إلى الحديث عن أبطال الفتح في تلك الرقعة الشاسعة من الوطن الإسلامي، وأولهم "أسامة بن زيد الكلبي" القائد الذي هاجم الإمبراطورية الرومانية وجرأ العرب على مهاجمتها.
يذكر لنا موجزاً من سيرة حياته.. ثم يتحدث عنه إنساناً فقائداً.. فيقول:
- "عاش أسامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية.. فكان مرموق المكانة، مقدراً محترماً محبوباً من الخلفاء جميعاً ومن المسلمين على حد سواء.
- لقد كان أسامة آلفاً مألوفاً، وكان موضع ثقة الناس وتقديرهم وإجلالهم، شجاعاً مقداماً راجح العقل تقياً ورعاً، عالماً بأمور الدين، يقصده الناس يستفتونه في أمور دينهم حتى عد من أصحاب الفتيا من الصحابة، كما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم (128) حديثاً.
وكان براً غاية البر بوالدته أم أيمن: بلغت النخلة على عهد عثمان بن عفان ألف درهم.. فعمد أسامة إلى نخلة فنقرها وأخرج جمارها وأطعمه أمه.. فقالوا له: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم.. فقال "إن أمي سألتنيه ولا تسألني شيئاً أقدر عليه إلاّ أعطيتها".
أسامة القائد:
"إنه خليق للإمارة" هذا ما كان يردده النبي الكريم عن أسامة والمعروف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتمتع بموهبة فذة في اختيار الرجال المناسبين للعمل المناسب حتى أن بعض المستشرقين يرون أن موهبته الفائقة في معرفة نفسيات وقابليات أصحابه وتكليف كل فرد منهم بما يناسب نفسيته وقابليته، كانت من أهم عوامل نجاحه في نشر الدعوة الإسلامية.
أسامة في التاريخ
يقول المؤلف: "يذكر التاريخ لأسامة أنه أول قائد عربي مسلم تجرأ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على مهاجمة الإمبراطورية الرومانية.. وأنه أول قائد عربي مسلم جرأ العرب المسلمين على مهاجمة الروم.. فكانت معركته التي خاضها ضد الروم وأحلافهم معركة معنويات حاسمة من معارك المعنويات الحاسمة في التاريخ".
لقد كان العرب قبل الإسلام لا يفكرون -مجرد تفكير بمهاجمة الروم، ولكنهم بعد انتشار الإسلام في ربوع الجزيرة العربية أصبح من الضروري حمايته داخلياً فلا عجب أن يجهز الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الجيش لحماية تخوم شبه الجزيرة العربية من الروم ذوي البأس في ذلك العهد وكان لا بد من إيجاد قائد ممتاز في مزاياه وجيش ممتاز في عَدده وعُدده ومعنوياته حتى يستطيع ذلك القائد تحمل تلك المسؤولية الجسيمة، وحتى يستطيع ذلك الجيش تنفيذ ما يعهد إليه من أعمال.
وتحمل أسامة المسؤولية كاملة، ونجح في تعرضه بالدولة الرومانية.. وتحمل جيشه واجباً كاملاً وهاجم تخوم (أرض الشام) بنجاح.
وفي حديثه عن "عبادة بن الصامت" الأنصاري الخزرجي فاتح مدينة "انطرطوس" من أعمال حمص بأرض الشام يذكر لنا موجز سيرته وأخبار جهاده ثم يصفه "قائداً" فيقول:
كان عبادة رجلاً معدوداً بألف رجل، وقيمته المرموقة هذه لها سببان: شجاعته الشخصية وإقدامه أولاً، وعقيدته الراسخة وإيمانه العميق.
كان وجوده -مجرد وجوده- في جيش من جيوش المسلمين كافياً لرفع معنويات ذلك الجيش وإقدامه على تحمل أشق أعباء القتال.. إذ كان يثير في نفوسهم النخوة والنجدة بمثاله الشخصي في التضحية والإقدام، كما كان يفجر في نفوسهم ينابيع الإيمان بالقضاء والقدر والتطلع إلى الشهادة في سبيل الله.
لم يكن عبادة يكترث بالموت بل كان يسعى حثيثاً، وكان شعوره هذا ينتقل إلى نفوس من يحيط بهم فيعمل في نفوسهم عمل السحر الحلال.
لقد كان بالإضافة إلى تمسكه بعقيدته وتفانيه في خدمتها راجح العقل ألمعي الذكاء، يبذل قصارى جهده للحصول على معلومات كافية عن عدوه، لذلك كانت خططه صائبة دائماً، كما كان لماضيه المجيد في خدمة الإسلام أثر كبير في حب رجاله له وثقتهم الكاملة به، وكان بدوره يبادلهم حباً بحب وثقة بثقة.
وكان يدقق كثيراً (في اختيار مقصده وإدامته) ويبذل كل جهد لإنجاز (تحشيد قوته) ويحرص غاية الحرص على عدم إعطاء خسائر لا مبرر لها بالأرواح وذلك باتخاذ تدابير (الأمن) وكان (يديم معنويات) رجاله ويؤمن لهم احتياجاتهم (الإدارية).
إن عبادة قائد عقائد من الطراز النادر.
وأما عن "عبادة في التاريخ" فيقول عنه المؤلف:
يذكر التاريخ لعبادة أنه كان أحد اثني عشر نقيباً كان لهم الأثر البعيد في نشر الإسلام بين الأوس والخزرج من أهل المدينة المنورة، فمهدوا بذلك لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إليها وجعلها القاعدة الأمينة لنشر الإسلام بعد الهجرة.
ويذكر له جهاده المتواصل تحت لواء الرسول القائد لحماية حرية نشر الدعوة الإسلامية.
ويذكر له جمعه القرآن الكريم وروايته لكثير من السنة النبوية وعمله الدائب في تفقيه الناس بالمدينة وأرض الشام.
ويذكر له أنه من أوائل قضاة المسلمين الذين كانوا بأقوالهم وأعمالهم أسوة حسنة لقضاة المسلمين في كل زمان ومكان.
ويذكر له صلابته الفذة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى تجاه أمير المؤمنين وأمراء الأنصار وقادة الجيوش.
ويذكر له فتحه بلداً في أرض الشام.. ومدينة في مصر.. وإثارته ينابيع التضحية والفداء في جيوش المسلمين المجاهدة لفتح الشام ومصر.
إنه أمة في رجل.. إنه مدرسة كاملة.. إنه نسيج وحده.
وعلى هذا النحو من التحليل الرائع نجد المؤلف الفاضل يتناول سيرة كل واحد من أولئك القادة الميامين.. الذين جاهدوا في الله فأحسنوا جهادهم في سبيله، وكانوا -بحق- مثلاً عليا في الصبر والإيمان والفداء والتضحية والعمل الخالص من أجل الإسلام ونشره في الآفاق فأيدهم الله بنصره، ومكّن لهم في الأرض، وأنشأوا دولة كانت وما زالت مضرب المثل في العدل والإنسانية.
ويختتم المؤلف كتابه الحافل ببحث مستفيض عن أثر الإسلام في العرب في نحو 100 صفحة من الكتاب أوضح فيه أن الإسلام رسم للحياة مثلاً أعلى غير المثل الأعلى في الجاهلية.. وأنه أي الإسلام -عقيدة وعملاً- صهر نفسية العربي ونفى عنها الخبث.. فأصبح العربي المسلم لا يكذب ولا يسرق ولا يزني ولا يخون ولا يغش ولا يتجسس، يخلص لعقيدته أكثر مما يخلص لنفسه، ويطيع أوامر الله ورسوله وأولي الأمر، وبذلك أصبح فرداً مفيداً باع نفسه لله إخلاصاً لعقيدته.
لقد تصرف العربي المسلم -كفرد- تصرفاً لا يزال يعتبر من الأعمال الفذة النادرة في حياة الرجال: تحمل التعذيب والموت راضياً مطمئناً، وترك أهله وماله مهاجراً إلى الله ورسوله، وضرب بمصلحة أهله الأقربين وعشيرته وقبيلته عرض الحائط حين رآها تعارض مصلحة عقيدته العليا.
وتصرف العربي المسلم ضمن المجموع من أمته تصرفاً لا يزال يعتبر، حتى اليوم، مفخرة من المفاخر: اندفع يجاهد في سبيل نشر عقيدته وحمايتها فخرجت القوة المؤمنة التي اختزنتها الصحراء عبر الأجيال، تحمل راية الله سبحانه وتعالى وتبلغ عن أمره، فتتابعت انتصاراتها الباهرة، فلم يشهد التاريخ في أحقابه المديدة انتصارات مظفرة وفتحاً مستديماً مثلما شهد انتصارات الفتح الإسلامي!
ويمضي المؤلف في حديثه في هذا الصدد في إفاضة وفي تفصيل.. إلى أن يقول في نهاية البحث: "إن القوة الدافعة التي يعطيها الإسلام للعرب، والنور الذي يغمر قلوب المؤمنين به منهم، فيجعلهم يضحون بكل ثبات في سبيل مثلهم العليا، والتعاليم السمحة التي تروض أخلاقهم وتبدلها من حال إلى حال، والأسس المتينة في مبادئ الإسلام التي تقاوم الاستبداد السياسي، والتمييز العنصري، والاستغلال والظلم، كل ذلك يجعل هذا الدين ضرورة من ضرورات العرب في حاضرهم ومستقبلهم.
فلماذا يخشى بعض القوميين من هذا الدين على مسيرتهم، إن الإسلام يدعم العرب في بلاد العرب وفي دار الإسلام، ويجعل من العرب قوة هائلة كما جعل منهم قوة هائلة من قبل.
إن الإسلام صخرة صلدة عاتية والذي يحاول تحطيمه برأسه أو بأفكاره أو بادعاءاته، لن يفعل شيئاً أكثر من أن تبقى الصخرة صامدة.. ولا يتحطم غير رأسه أو أفكاره أو ادعاءاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1021  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 32 من 49
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.