شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مياه الشرب في مكة وجدة
عين زبيدة في مكة:
كان سكان مكة يستقون الماء من آبار فيها أو حولها، إلى أن كان عهد معاوية حيث أمر باتخاذ قنوات يجري الماء فيها إلى مكة، وعني عبد الله بن عامر بعده بمثل عنايته، وأضاف عيوناً أخرى تصب في القنوات فتملأ حياضاً في عرفة وأخرى في مكة، ثم خربت القنوات، ونضب مصدرها من العيون، فعاد سكان مكة إلى ما كانوا يقاسونه في أمر الماء إلى أن كان عهد الرشيد حيث بلغ زبيدة زوجته ما يقاسيه الحجاج والأهالي في مكة من قلة الماء، فأمرت بالبحث عن الماء حتى وجدت عين حنين تنبع في جبال ((الثقبة)) في طريق الطائف، وهو مكان غزوة النبي صلى الله عليه وسلم المشهورة بغزوة حنين فأرضت أهلها، ثم اتخذت لها قناة يجري فيها الماء إلى مكة، وعنيت بمظان المياه والسيول في طريق القناة، فجعلت لها بركاً تجتمع إليها مياه الأمطار، ثم تصب في القناة المتصلة بمكة..
وعنيت بالبحث عن ماء تروي به عرفة حتى عثرت على ماء في وادي نعمان فاتخذت له قنوات أخرى تصب مياهها في أحواض في عرفة، ثم تمضي في قنواتها إلى المزدلفة، ثم إلى الجبال الواقعة خلف منى ويسمونها الآن ((المفجر))، ويتحدر وراء هذه الجبال حتى ينتهي دون مكة ببضعة كيلومترات، ولعلّها أرادت أن تصلها بمكة لتساعد عين حنين، ولكن حالت دون ذلك أراضٍ صخرية واسعة فاكتفت بعين حنين في مكة، وعين وادي نعمان في عرفة والمزدلفة، وخلف الجبال من منى إلى كيلومترات من مكة.
وأنفقت زبيدة في عملها هذا ما يقدره بعض المؤرخين بنحو مائتي ألف مثقال من الذهب، وخلفت للتاريخ مشروعاً لا يقل فخامة عن أهم المشروعات العمرانية والخيرية الضخمة يشهد لمهندسيه ببراعة الهندسة في عصر الإسلام الذهبي قبل نحو ألف ومائتي سنة، بآثارهم الخالدة في أحضان الجبال، وعلى حوافي الأراضي الرملية، وينطق بتفوقهم، وبأنهم لا يقلون براعة عن أحدث ما انتهى إليه الفن الهندسي في القرن العشرين.
وتهدمت بعض هذه القنوات بفعل السيول على مر الأجيال فكان الخلفاء والأمراء يعالجونها ويصلحون ما فسد منها مما تجده مطولاً في مظانه.. وتكرر الخراب كما تكرر الإصلاح وقاسى أهل مكة في فترات متقطعة من قلّة الماء ما قاسوا حتى كان عام 965، حيث عنيت الدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان بها العناية التي قد يمكن أن تحتل الدرجة الثانية وما يشبهها بعد زبيدة، فقد انتدبت المهندسين للكشف على القنوات وتعميرها، فابتدأوا بعين وادي نعمان، وشرعوا ينظفون قنواتها من نبعها في وادي النعمان إلى مصبها في بئر زبيدة دون مكة، حتى استأنف الماء سيره بانتظام، ثم عنوا بعين حنين حتى عادت في مجاريها إلى عرفة، ثم إلى مكة، ثم عنَّ لهم أن يبحثوا العوائق التي حالت دون وصول عين نعمان إلى مكة لتساعد عين حنين، فظهرت لهم أرض صخرية مطمورة سعتها نحو ألفي متر تحول دون القنوات، فاستعانوا بجهودهم على تفتيتها، واقتضاهم ذلك جهداً ونفقات لا نهاية لها، فلم يثنهم ذلك عما عقدوا عليه العزم، حتى انتهوا بعين النعمان إلى مكة وجعلوها تصب في قناة حنين وتختلط بها.
وفي عام 1295 شكّلت بمكة لجنة لجمع الإعانات من البلاد الإسلامية، على أثر طغيان بعض السيول على القنوات، ففاضت التبرعات على صندوقها ونشطت الهيئة للعمل والإصلاح وبناء الخزانات، وبنت في ((المفجر)) خلف جبال منى آلة بخارية لرفع الماء إلى مستوى منى، وإرساله إلى ((بازان)) فيها.
ثم عنيت فيما عنيت بإنشاء ((البازانات)) في حارات مكة، ولعلّ إطلاق هذه التسمية على ما يعرف اليوم بالخزانات -مأخوذ من اسم أحد كبار مهندسي تلك اللجنة وقد كان اسمه ((بازان)).
وتوالى تشكيل اللجان كلما دعت ضرورة إلى جمع الإعانات، وإصلاح العين حتى كان عهد الملك حسين، فرأى أن تكون لها لجنة دائمة ذات صندوق خيري تتعهد العين وتعنى بشؤونها فألفها برياسة فضيلة مفتي الشافعية إذ ذاك السيد عبد الله زواوي ثم قرر لها رسماً خاصاً يتقاضاه من كل حاج باسم العين فكان مورداً لا ينضب، واستمر الحال كذلك إلى عهد حكومة جلالة الملك عبد العزيز آل السعود، حيث أقرّ أعمال هذه الهيئة وزاد في حفاوته بها، وأطلق يدها في الإصلاح فأنشأت ((بازانات)) أخرى، وتعهدت المجاري والقنوات بالإصلاح المستمر وعندما قرر وزير المالية في عام 1366 تنفيذ فكرة جلالة الملك في إلغاء البرك في عرفات وإحلال ((المواسير)) محلها، عقد لها قرضاً من الوزارة يغطي نفقاتها الهائلة في ((المواسير)) على أن تسدده أقساطاً صغيرة في مدى سنين طويلة، ولا تزال هيئة العين ناشطة في أعمالها، تتعهد العين بالإصلاح المستمر.
عين العزيزية في جدة:
وقد لابست الماء في جدة ظروف تشبه الظروف التي لابست الماء في مكة، وكما خلّد التاريخ لزبيدة زوج الرشيد فضلها في تزويد مكة بالعين التي لا تنضب، سوف يخلد لجلالة الملك المعظم مثل هذا الفضل في جدة.
فقد مضت الأجيال تتعاقب، ومدينة جدة تقاسي من قلة الماء ألواناً من العناء والحرمان، وكان بعض المثرين فيها يبنون للأمطار والسيول أحواضاً تتجمّع فيها المياه وتركد فيوزعون منها على الحجاج والأهالي بأثمان باهظة، وعنيت الحكومة العثمانية بإرسال آلة لتقطير المياه في جدة، فكانت لا تفي بحاجة البلد بالماء كما كانت عرضة للخراب، وعني الملك حسين بآلة التقطير وتعهدها بالإصلاح، وكذلك فعلت حكومة جلالة الملك المعظم عبد العزيز آل سعود.
وفي عام 1366 رأى جلالة الملك عبد العزيز آل سعود أن ما يقاسيه الحجاج والأهالي في جدة لا يطاق احتماله، فأمر بالبحث عن ماء صالح لسقيا البلدة، فاهتدى المختصون إلى عين تنبع في وادي فاطمة على بعد أكثر من سبعين كيلومتراً من جدة، فقرر جلالة الملك إرضاء أصحابها لقاء الاستفادة من العين لسقيا جدة.
وهكذا عهد إلى شركة أمريكية بالعمل ضمن مقاولة خاصة، فنشطوا لمد ((المواسير)) على طول المسافة بين المنبع والمصب مدفونة تحت الأرض، حتى سلك الماء فيها إلى جدة، ومن ثم توزع في أنحائها، فشرب الحجاج والأهالي ماء نميراً زلالاً وقدروا لليد المتكرمة فضلها في هذه المكرمة التي لا تنسى.
وكان من نتيجة وصول الماء إلى جدة أن سرى العمران فيها، وقامت الإنشاءات في أطرافها على قدم وساق، وبدأت جدة تستقبل عهداً جديداً ستقفز فيه إلى مصاف المدن الراقية في الشرق، بحكم موقعها الدبلوماسي وبما نالها من وفرة الماء، نتيجة لعناية معالي وزير المالية بها، ونشاط أهلها وخبرتهم في الحياة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :407  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 48 من 186
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج