شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سوق عكاظ.. لماذا أطلق عليه هذا الاسم؟
أترانا نستطيع أن نوفي هذا الشباب في ((رعاية الشباب)) حقه من التقدير بعدما وصلنا من نهوضه وعلى رأسه سمو الأمير فيصل بن فهد ليقشع الغبار عن تراث عكاظ بعد أن فات علينا ذلك نحن جماعة الشيوخ كما فات على مئات الأجيال قبلنا.
أما أنا فعليَّ أن أعترف بما نالني من كسوف لما فرطت في جنب الموضوع كفكرة كما أني أعترف أني لو دبّجت عشرات الصفحات في تقدير هذا الشباب الناهض وعلى رأسهم الأمير لما وفيت بما يجب عليّ نحوهم.
ودعنا الآن نمضي تجاوباً مع أصحاب عكاظ (الجريدة) لنستعرض بعض ما نعرفه عن عكاظ (السوق).
تقول اللغة عكظ فاخر، وتعاكظوا ازدحموا.. إذن فقد كان السوق مزدحماً ولكن فيم هذا الزحام؟ أكان زحاماً للأدب وفي سبيل الأدب أم كان الأدب طرفاً في هذا الزحام.
الذي يتبادر إلى فهمي أن السوق كان تجارياً قبل أن يكون أي شيء آخر.. كان مجمعاً لقبائل العرب يردونه في طريقهم إلى الحج ليعرضوا ما عندهم من سلع ويستعرضوا ما عند غيرهم.
كان السوق فرصة سنوية يتبادلون فيها منافعهم ويروجون منتوجاتهم ولهذا كان يكثر زحامهم وتتنوع قبائلهم وكان يترتب على هذا الزحام احتكاك لا بد منه بين القبائل.
وإذا احتكت القبائل تنافرت وتفاخرت وحاولت كل قبيلة أن تبرز أمام الملأ بشيء يميزها فكان الأدب وكان الشعر وكان الخطباء المفوّهون.
كانت القبيلة لا تزهو بشيء زهوها بشاعر ينبغ بين خيامها أو فارس يشتهر بسيفه بين تلاعها أو كريم يفيض جوده حتى يملأ الأسماع.
من هنا كان للشعر كيانه الواسع في سوق عكاظ.. كانت الفرصة جد متاحة لكل شاعر ينبغ في قبيلته فلا تكاد القبيلة تحط رحلها في طرف من جنبات السوق حتى تدفع شاعرها إلى شرف يرتقيه أو ناقة يمتطيها ليصدح بآخر قصيدة بناها وربما بادره في نهايتها صديق أو حليف أو خصيم ليباريه أو يجاريه أو يلاحيه.
ربما اضطرب السوق بمن فيه لكلمة صارخة أو بيت في الشعر ثائر.
ربما اهتزت أعطاف صاحب سيف بثأر فصاح يا للثارات فلمعت السيوف وجردت السمر العوالي.
ولا تستبعد في ثنايا كل هذا أن يهيب بالناس متنسك وعاقل: ((أيها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت)) ثم لا يزال يضرب بعظاته في كل صوب حتى ينفث ما في الصدور فتهدأ الثائرة وينطفئ الوقود وقد يزيد اضطراماً.
وربما نادى في المائجين فتصالح المتخاصمون.
على أن للسوق زوايا ربما لاحت لك فيها نابغة بني ذبيان أو غيره من نقاد الشعر.. يهرع الشاعر الحديث السمعة أو المفاخر إلى إحدى هذه القباب ليعتز بما يقول الناقد في شعره.
إذن هو سوق للتجارة.
سوق للتعاكظ والاحتكاك.
سوق لما يولده الاحتكاك من مباراة.
سوق للمباريات الشعرية والمبادرات القتالية.
سوق للإرشاد والوعظ، كما هو سوق لتقييم الشاعر ونقده، كما هو سوق للمباهاة يتجلى فيه سخاء أغنياء العرب وأجوادهم.
أو كل هذا في السوق ولا أكثر؟
لا.. فالتجمع على هذا النحو من طباعه أن يعطي الفرصة واسعة لأصناف من المؤانسة والمجون والتسالي واللهو بكل أسبابه لا سيما أن مجتمع عكاظ لا يهيمن عليه حاكم ولا يحكمه قيد.
وبعد فهل لنا أن نعرف موضع السوق ونحدد موقعه بين باديتنا.
الواقع أن الروايات تختلف في هذا اختلافاً بيناً فمنهم من جعل موقع السوق في عشيرة ومنهم من جعله في وادي الحمد (أو الحمض) ومنهم من قال إنه في وادي عقرب على غير بعيد من الطائف ومنهم من أبعد فادعى أنه على طريق اليمن من الطائف وهو قول لابن رسته صاحب كتاب الأعلاق النفيسة.
وحاول الأستاذ حسين هيكل صاحب كتاب (في منزل الوحي) أن يحقق موضع السوق وكان في صحبة فضيلة الشيخ عبد الحميد الحديدي وسعادة الأستاذ صالح القزاز.. أقول حاولوا تحقيق موضع السوق فتراءى لهم أن تعيينه في قرية السيل الكبير أو السيل الصغير ربما كان أقرب إلى الصحة سيما وأن بدوياً معمراً في السيل الكبير استطاع أن يقودهم إلى أطلال عمارة قديمة ظلت آثارها باقية على غير بعيد من السيل الكبير فاستنتجوا أنها ربما كانت نزلاً لسادة السوق.
أما أنا فقد عشت أميل إلى اعتماد السوق في قرية السيل الكبير دون الصغير لأن أشهر الروايات فيما قرأت كانت تقول أن عكاظ تقع بين نخلة والطائف على مسيرة يوم بالإبل من الطائف.
وإذا كانت نخلة هي ((الزيمة)) فإن السيل الكبير يقع بينها وبين الطائف وهي على مسيرة يوم بالإبل من الطائف.
ولا نكران في أن السيل الصغير يقع بين نخلة والطائف إلاّ أن المسيرة بينه وبين الطائف لا تزيد على مسيرة نصف يوم إلى الطائف.
هذا إلى أنّ انفساح الأرض في السيل الكبير قابل كل القبول لاستيعاب أكبر عدد من خيام القبائل مهما توافر عددها ويؤكد لي هذا الميل أن ثمة صخوراً كبيرة مبعثرة في أرض الوادي صالحة في رأيي لأن يتسنمها شعراء السوق ووعاظه، أضف إلى هذا جو الوادي المشبّع بالماء فإن سيله لا يكاد ينقطع في أكثر فصول السنة.
إن ميلي إلى هذا لا يزيد عن حدس يصح أن يتحقق غيره إذا توافرت الجهود على البحث والتحري وقامت الأدلة الناصعة على تحديد صحيح.
علينا بعد هذا أن نحدد تاريخ السوق متى بدأ وكيف انتهى وما هي أهم وقائعه وما مدى أثره في مجالي العروبة ولغاتها أو لهجاتها المتفرعة. فإلى عدد قادم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :514  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج