شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أخطأ العفريت ولم أخطىء

* * *

هالتها آلام الرضوض في رجلي، وساءها مرور الأيام طويلة دون أن تبدر للشفاء بادرة، أو يظهر في رجلي ما يدل على تحسن حالها فقالت:
- يعني أنت ليش ما تستعقد؟؟
- في ايش أستعقد؟
- لازم تعرف أن الطبة ما تسوي في رجلك هذا الحال كله!
- ولكنها سوت زي ما أنت شايفة.
- ما سوتها الطبة لوحدها!!
- أجل في شي تاني غير الطبة سواها معاها؟؟
- انت بنفسك فكر!
- وإذا كان فكري ما يصلح.. ليش اللي زيك ما ينفعني بفكره؟؟
- أنت ما تستعقد!
- يعني رجعنا (للاستعقاد) حقك هادا.. مرة ثانية؟؟
- نعم أنت رحت الأشعة واتعالجت عند الدكتور، وجبت المجبر في البيت عشر مرات، تقدر تقوللي ايش قدروا كلهم هادول يسووا لك؟؟
- الصحيح ما قدروا.. ولكني إيش أسوي.. ما دام يقولوا الوجع كباس!! والعافية نسناس؟؟
- لا يا سيدي تقدر تسوي كل شيء.. لكنك ما تستعقد.
- يعني احنا برضنا في هذا الاستعقاد اللي ما أنت راضية تبينيه.
- أنا أبينه.. لكن أنت رجَّال تتريق وتسويني مضحكة.
- لا.. في هادي المرة منت مضحكة.. بس بيني لي الهرجة اللي يمشي عليها الجمل.
- وما تضحك علي؟؟
- إذا كان هرجك مضبوط.. ليش أضحك؟؟
- هه.. باين تبغا تضحك عليّ.
- أجل أنت عارفة هرجك مو مظبوط؟
- لا.. يمكن مظبوط.
- يمكن و.؟. بس؟؟ سار أنت شاكة في هرجك بنفسك؟
- لا.. ماني شاكَّة.. هيا اسمع!! انت تدري لمحت على مين؟؟
- أنا.؟. أنا طحت على مين؟
- أيوه.. أنت طحت على مين؟
- هو دا سؤال؟ طحت على مين؟.. أنا يا ستي طحت على حجر!!
- هه.. هادي هي قلة الاستعقاد.
- طيب والاستعقاد ايش يقول؟ يجيب لي الاستعقاد شيء من الخيال.. ويقول لي أنت طحت بالغصيبة عليه.
- لا.. مو كده.. أنت تقدر تقولي طحت على شي ما شفته.
- يعني طحت على شي صغير ما ينشاف؟ على كده هذا الصغير ما يعورني.. أنا الحجر اللي شفته هو اللي صحيح يعور.
- برضك مانت راضي تستعقد.
- يا ستي والله أستعقد.. بس هاتي فهميني شي أستعقده.
- يعني أنت ما تعرف أن الأرض فيها عمار؟
- يعني من الجن؟؟
- أيوه.. من الجن.
- طيب وأنا ايش لي.. وايش لهم؟
- برضك رجعت؟؟ ما تستعقد.
- يعني استعقد متى؟؟ بعد أفهم.. وإلا قبل أفهم؟؟ أنت ما دام مستعقدة فهميني تكسبي ثوابي.
- قلت لك الأرض فيها عمار.
- فهمت أنه فيها عمار.. العمار ايش لهم وايش لي.. أنا راجل طحت على الحجر.. انفركت رجلي.. اترضت.. انفكت.. يعني غرضك يمكن أن الحجر جني؟؟
- أيوه.. يمكن.
- طيب وكيف أفهم أن الحجر جني.. ايش الدليل.. وإلا بس الواحد يستعقد من غير دليل.
- إلاَّ في دليل.. الدليل أن الأرض مليانة بالجن.
- يعني يمكن هذا الحجر جني؟
- مو بعيد.
- طيب وهادي الحجارة كلها اللي الناس طايحين فيها تكسير بالفواقيش والعتل.. كلها هادي الحجارة جن؟؟ والا بس هادا الحجر لوحده جني؟؟
- مو بعيد يكون هذا لوحده جني.
- طيب هذا الحجر لوحده جني فهمنا.. إيش لو هدا الجني عندي؟
- أنت لا بدك عورته!
- كيف عورته؟
- طحت عليه!!
- يعني مقصودك جيت لقيت حجر قاعد في الأرض.. قمت رميت نفسي عليه علشان أعوره؟؟ هادي هي هرجتك اللي تبغيني استعقد فيها؟ طيب أنا أخطيت عليك يا حجر.. لكن الحجر في قياسك.. ما أخطى علي؟
- إيش هو خطا الحجر؟؟
- ليش ما صاح في وقاللي ترى يا شيخ انتبه.. أنا جني!! روح عني بعيد؟
- تبغي الحجر يصيح؟
- إذا ما صاح سار هو المخطىء.. أول حاجة هو شافني أطيح.. والناس ما تطيح إلاَّ غصباً عنها فكان لازم يشرد من طيحتي.. الشيء التاني لما شافني قريب الطيحة ليش ما صاح في وشي وقال: روح عني بعيد.. ترى أنا جنى، وأقل شي يعورني.
- هادا الهرج يا شيخ.. الناس ما تقوله!!
- أبداً.. الناس ما يعجبهم إلاَّ الهرج اللي يكون باين فيه محل الخطأ والصواب.. أما إن كان الجن أحكامهم غير كده.. فهادا يسير خطأهم مو خطايا أنا.. أنت لما تكوني قاعدة محل الجني وشفتيني طحت فوقك غصباً عني.. ايش رأيك؟ ما تعذريني؟؟ إن ما عذرتيني.. تسيري ما نت عاقلة.
- لا.. أعذرك!!
- طيب ليش الجني ما يعذرني؟.. وخصوصاً وهو يدري أني ماني شايف غير حجر.
- لا بده ما يعذر.
- أجل أنت أخطيتي عليه دحين أكتر مني.
- ليه؟؟!
- لأنك سويتيه ظالم، واعتبرتيه ما يعرف اللي لو.. واللي عليه.. فإن كان هو تمام.. يزعل منك من صحيح.. ويمسك رجلك بدال رجلي.. لأني رجال ما اعتديت عليه.. أما أنت كلامك كله تعدي عليه.
- وي.. هيا جينا لهرج المجانين!!
وما أتمت كلمتها حتى كان صوت غلاية الشاي فوق الموقد يناديها فأولتني ظهرها مسرعة، وهي تحوقل من غرابة أطواري وقلة اعتقادي.
وتركتني بعد هذا أضيف إلى جنوني مرتبة جديدة في الجنون تصور لي هذا الحصى الذي أطأه، والأحجار التي أدوسها، وقطع الأخشاب التي ربما تكسرت تحت قدمي وأنا لا أعلم من أمرها شيئاً.. كل هذه أتصورها أخيراً عالماً من الجان تأخذ علينا السبل، وتعاقبنا أشد العقوبة وأقساها إذا وطئناها!!.
سأضرب ابتداء من يومي عن المشي حتى لا تصطدم رجلي بعد الآن بأحد عمار الأرض وسأقنع بالبقاء في بيتي لا أريم خطوة، فهل يوافقني مجنون يناصر مذهبي ويدعو معي إلى هذا الاعتكاف؟؟
وهل يرضى العقلاء أن يحذفوا هذه السيدة من بنودهم ليضيفوهم إلى المجانين، وينقلوني لأحتل المركز الذي كانت تحتله بينهم في صفوف العقلاء؟؟
أيرضيهم هذا؟ أم يظلون على تعصبهم لا يقبلون الهوادة فيما صنفوا ولا تزجرهم البراهين عما اعتقدوا؟
إذا صح هذا فبارك اللهم علي نعمة الجنون!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :774  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 9 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.