شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار ))
بدأ الحوار سعادة المحتفي الشيخ عبد المقصود خوجه فقال:
- معالي الشيخ حسين عرب، سمعت منكم منذ سنوات أن جريدة صوت الحجاز صدرت في فترة ما بعبارة يحررها نخبة من الشبان أو الشباب، ولا أذكر الآن القصة بالتفصيل، أو أنني أفضل - إذا تفضلتم - أن نسمع الأسباب التي أدت إلى ذلك؛ مع الشكر الجزيل.
ورد معالي الشيخ حسين عرب على سؤال المحتفي بقوله:
- تتلمذت على صحيفة صوت الحجاز، وتتلمذت على الأساتذة الَّذين كانوا أساطينها ورؤساءها ابتداء من عبد الوهاب آشي، الأستاذ محمد حسن فقي، الأستاذ حسن محمد كتبي، الأستاذ محمد حسن عواد، الأستاذ أحمد الغزاوي؛ فيما أعتقد إن هؤلاء كلهم - كل واحد منهم - تولى تحرير صوت الحجاز في فترة من الفترات، وكنت وثيق الصلة بالجريدة ومحرريها ورؤسائها، أنا وزملائي من طلاب المعهد، وكنت أبعث إليهم بما أجده من مقالات أو قصائد فيتفضلون بنشرها تشجيعاً؛ وقد وصل بنا الحال - إذا لم تُنْشَر - أن نناقشهم عن أسباب عدم النشر، وكانوا يتلقون المناقشة بصدر رحب فيه توجيه وفيه تعريف وفيه إفادة، وكان - على ما أذكر - الأستاذ أحمد السباعي رئيس تحريرها، والأستاذ حسين خزندار سكرتير التحرير.
- تخرجت من المعهد في عام 1356هـ في رجب، وكان من عادتي أن أذهب إلى الأستاذ حسين خزندار لأنه زميلي وصديقي، والأستاذ السباعي أديب كبير؛ فذهبت يوماً إلى الجريدة فلم أجد أحداً سوى السيد معتوق حسنين - وهو حي يرزق أطال الله عمره - فسألته عن الأستاذين، فأفهمني أن هناك أشكالاً وقع، وتسبب في ابتعاد رئيس التحرير وسكرتير التحرير، وكانت الصحيفة أسبوعية.
- في تلك اللحظة دق جرس الهاتف، فأجابه السيد معتوق حسنين، كان على خط الهاتف الشيخ محمد سرور الصبان (رحمة الله عليه) وكان رئيس لجنة الطبع والنشر التي تصدر صوت الحجاز، فسأله عما فعل بالإعداد لعدد الجريدة القادم، قال: ما فعلت شيئاً، هذا سكرتير التحرير وهذا رئيس التحرير ابتعدا؛ قال: من عندك من كُتَّاب الجريدة أو الَّذين يتعاملون مع الجريدة؟ قال: عندي شخص متخرج من المعهد اسمه حسين عرب؛ قال: هذا الَّذي ينشر له أحياناً؟ قال: نعم؛ قال: أعطني إياه؛ تناولت سماعة الهاتف برهبة، لأن محمد سرور الصبان كان رجلاً ذا منصب وجاه وأنا تلميذ؛ قال: ماذا عملت للجريدة؟ قلت: لم أعمل شيئاً، أنا لست موظفاً فيها؛ قال: أريدك أن تعمل؛ قلت: حاضر؛ قال: حرر العدد واجمع المقالات التي فيه وأطلعني عليها قبل الطباعة؛ قلت: حاضر؛ وتمثلت في ذلك الحال قول الإمام الغزالي حين تولى التدريس في دمشق، بعد إمام الحرمين الجويني وكان تلميذه، فلما اقتعد كرسي التدريس تمثل بيتاً يقول:
خلت الديار فَسُدْتُ غير مسود..
- بحثت في أدراج رئيس التحرير وسكرتير التحرير عن مقالات أو قصائد أو تعليقات فلم أجد شيئاً، لأن الآخرين أحجموا عن المشاركة في النشر، ما دامت فيها مسؤوليات تؤدي إلى ما أدى إليه الحال مع الرئيس ومع السكرتير، اضطررت أن أحرر الجريدة بمفردي، فكتبت افتتاحية.
- أولاً كانت الجريدة عبارة عن جريدة أدبية بصراحة، لأنه لم تكن هناك صلات مع الخارج مع وكالات الأنباء مع الصحف الخارجية، لا توجد صلات، كانت تأتينا الصحف من مصر ومن سورية ومن لبنان بالبريد في الأسبوع مرة، نأخذ منها ما يتعلق بالسياسة الخارجية والأحداث الهامة، وبقية الصحيفة تكتب بأقلام الأدباء، أدباء المملكة جميعهم، ابتداءاً من المدينة إلى مكة إلى جدة، كانوا يشاركون في التحرير؛ لم أجد شيئاً ينشر، اضطررت إلى كتابة مقال الافتتاحية وقصيدة باسم و. ح. ع. ونشر تعليق سياسي بإمضاء مطلع، ونشر مقال اجتماعي بإمضاء وطني أو شيء من هذا القبيل، ودفعت الأوراق إلى قسم الصف، فصفوها وأخذت "البروفة" وذهبت إلى معالي الشيخ محمد سرور الصبان (رحمة الله عليه) فأخذها مني وقرأها ثم قال: هذا من؟ قلت: أنا.. وقرأ القصيدة وقال: هذا من؟ قلت: أنا.. وقرأ المقال الآخر؛ وقال: هذا من؟ قلت: أنا.. قال لماذا؟ قلت: لم يرسل أحد مقالاً ولم يشارك أحد؛ قال: لماذا؟ قلت: ربما خافوا أن يلحق بهم أذى مما لحق بزملائهم؛ قال: وأنت ألم تخف؟ قلت: والله أخاف ولكن أمرتني فاعتمدت على الله؛ قال: توكل على الله.
- فاستمررت في تحرير الجريدة تحت إكليشة في العنوان يحررها نخبة من الشبان، والشبان طويلب لم يتجاوز عمره الثامنة عشرة أو شيء من هذا القبيل.. مرت مدة كبيرة حتى استطعت أن أتألف السادة الأساتذة الكتاب والشعراء، وآخذ منهم مقالاتهم وقصائدهم، وعادت الجريدة إلى نفس المستوى الَّذي كانت عليه مع ملاحظة المحظورات التي تؤدي إلى المحاسبة أو شيء من هذا القبيل..
- بعد ما يقرب من سنة تعين الأستاذ فؤاد شاكر رئيساً للتحرير، والأستاذ فؤاد شاكر رجل صاحب علاقات دائمة وكبيرة مع الأمراء والوزراء والملك، فلم يكن يحضر للجريدة إلاَّ مرةً في الشهر إن حضر وبقيت اتصالاته بالهاتف، وأخذت في العمل تحت رئاسته الاسمية، إلى أن حصل ما حصل في أخذ وردٍّ بين الأستاذ محمد المغربي والأستاذ فؤاد شاكر.
- الأستاذ فؤاد شاكر (رحمة الله عليه) نشر مقالاً أو خبراً سمى نفسه فيه عميد الصحافة في السعودية، في ذلك الوقت لم يكن هناك غير أم القرى، وصوت الحجاز، والمدينة، والمنهل؛ الأستاذ مغربي باعتباره سكرتير الشيخ محمد سرور، والشيخ محمد سرور رئيس الشركة قال: لم يصدر أمر أو توجيه بتعيين عميد الصحافة، فنشر الأستاذ المغربي هذا التعقيب، فرد عليه الأستاذ فؤاد شاكر رداً قاسياً، ومن هنا نشأ الاختلاف، ثم سافر الأستاذ فؤاد شاكر إلى مصر وكان يحرر أم القرى إلى جانب رئاسة صوت الحجاز.
- وعهد إليَّ بتحرير أم القرى، وكانت صوت الحجاز في الشامية، وأم القرى في جياد، والمسافة بينهما مسافة الحرم؛ أذهب في الصباح إلى أم القرى وفي المساء إلى صوت الحجاز، لكن كان نشاط الشباب والرغبة في العمل ساعدت على هذا.. إلى أن بدأت الحرب العالمية الثانية وتعذر وصول ورق الصحف إلى المملكة، فصدر الأمر بطبع الجريدة في نصف حجمها، سواء المدينة أو صوت الحجاز أو غيرها؛ في ذلك الوقت وجدت أنا من دعاني إلى وظيفة أخرى أحسن مردوداً وأقل تعباً، فاستأذنت من رئيس الشركة فأمر بتعيين الأستاذ محمد علي مغربي رئيس تحرير، واستمرت الجريدة في عهده ربما شهور، وتوقفت هي والمدينة ولم يبق يصدر في المملكة سوى أم القرى.
- هذه الفترة التي زاولت فيها العمل كمحرر وليس رئيس تحرير، لأن هذا اللقب لم أتشرف به؛ وأحمد الله أنني على حداثتي وقلة تحصيلي العلمي، وأشياء كثيرة يفوقني فيها كل الآخرين، استطعت أن أقطع هذه الفترة بدون مؤاخذة وبدون حاجة إلى المساءلة والتحقيق، وما إلى ذلك قد يكون سبب هذا شيء من الجبن أو الخوف.. ولا أنكر هذا، ولكنها مرت - ولله الحمد - بسلام.
- وأشكر السادة الَّذين استمعوا إلى هذا الحديث قد لا يعنيهم كثيراً التفصيل، ولكني أُمرتُ أن أتكلم فتكلمت، وأرجو المعذرة إن أسأت في التعبير أو اختصرت أو أطلت..، وبالفعل أطلت؛ وشكراً جزيلاً.
 
ووجه الدكتور غازي زين عوض الله السؤال التالي إلى الأستاذ السيد محمد حسن فقي فقال:
- ما هي المعايير التي كانت تتبع في عدم وجود نظام للمطابع والمطبوعات، بصفتكم أحد رؤساء تحرير صوت الحجاز؟
- بسم الله الرحمن الرحيم.. السادة الكرام:
- أنا جئت الليلة لأستمع وأستفيد لا لأتكلم فأضير؛ وأنا أعترف بأنني رديء الإلقاء وأنني عيي اللسان، ولكنني مع ذلك سأجيب بقدر ما أستطيع.
- أول تعييني في جريدة صوت الحجاز، كنت متخرجاً من مدرسة الفلاح في السنة الأولى منها، فجاءني طلب من معالي الشيخ محمد سرور الصبان (يرحمه الله) وكان معه الشيخ محمد صالح نصيف، فاستدعياني وطلبا مني أن أكون رئيساً لتحرير جريدة صوت الحجاز بعد أخي الكبير وأستاذي الأستاذ عبد الوهاب آشي يرحمه الله؛ والحقيقة أني ذهلت، فكنت حديث التخرج في الدراسة، وكنت شديد الخجل، وكنت عزوفاً عن الاجتماعات لهذا السبب؛ ولكن الشيخ محمد سرور، والشيخ محمد صالح نصيف (يرحمه الله) أصرا على ذلك، فبدأت على اسم الله وعملت، وكنت أقول: كيف لي أن أقوم بهذا العمل بعد أستاذي الكبير الشيخ عبد الوهاب آشي (يرحمه الله)؟ ولكن الله (سبحانه وتعالى) أعان واستمررت.
- كان الكُتَّاب قلة، والشعراء كذلك، فكنت كما قال الأستاذ حسين عرب في بعض الأحوال حينما لا أجد ما أنشره، أكون أنا الكاتب، وأنا الشاعر، وأنا صاحب الأخبار؛ ما كان هناك معي أحد إلاَّ الأستاذ أحمد السباعي (يرحمه الله) كان مديراً للإدارة، وكنت أساعده في الإدارة ويساعدني في التحرير، ومضينا على هذا الأساس ردحاً من الزمن.
- ومما أذكره بهذه المناسبة حادثان وقعا، أولهما: كنت نشرت قصيدة بجريدة صوت الحجاز، وجاءني نقد من الأستاذ حمد الجاسر، وكان يظنني أنني لا أنشر هذا النقد، ولكنه كما قال لي: ذهل عندما رآه منشوراً مع أنه كان يتحامل في نقده علي؛ فكانت هذه بداية الصلة مع ذلك الأستاذ الكبير؛ أما الحادث الثاني فهو أنني كتبت مقالاً افتتاحياً في جريدة صوت الحجاز عن التعسف الفرنسي في سورية منذ خمسين سنة، كان الفرنسيون قد نصبوا مشانق وشنقوا عدة رجالات من رجالات سورية الأفاضل، فتأثرت كعربي وكمسلم بهذا، وكتبت مقالاً افتتاحياً، ويبدو أنه كان شديد اللهجة بدأته بقول شوقي يرحمه الله:
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
 
فشكاني السفير الفرنسي، وتعدى وزير الخارجية وأبرق إلى الشعبة السياسية، وكان يرأسها الشيخ يوسف ياسين (يرحمه الله) وجاء أمر ملكي من الملك عبد العزيز (يرحمه الله) بإرسالي إلى الرياض، ولكن الملك فيصل (يرحمه الله) كان نائباً للملك، والشيخ عبد الله السليمان، وكنت محرراً عنده بناءاً على طلب من معالي الشيخ محمد سرور الصبان، وسعادة الشيخ فؤاد حمزة، وكان وكيلاً لوزارة الخارجية؛ أبرقوا إلى الملك عبد العزيز (يرحمه الله) وقالوا له: إنَّ هذا فتى صغير من المخلصين لجلالتكم وللوطن وللبلاد وهو حديث السن، وكتب عن العروبة والإسلام بالطريقة التي أنتم أشرتُم بها إلينا، فجاء الجواب منه (رحمه الله) إذن جربوه.
- هذان الحادثان هما أهمّ ما مر بي.. وأرجو المعذرة لأني رديء الإلقاء وعَييّ اللسان؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومن الدكتور محمود حسن زيني وُجِّه السؤال التالي إلى معالي الأستاذ السيد حسن كتبي:
- ما رأيكم في الأدب الإسلامي، وقد كنتم من الأوائل المنادين بضرورة الاهتمام بمثل هذا الأدب، وما هو الجديد في هذا الأدب؟
وأجاب معالي السيد حسن كتبي قائلاً:
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الَّذي أَدَّبه ربه بأدب القرآن النوراني وأشاع هذا الأدب في أمته، وحملت أمته هذا الأدب إلى البشرية عامة.
- الواقع إن الأدب الإسلامي هو خاصة هذه الأمة الإسلامية؛ وهذا الأدب وجد أسسه في أخلاق الأمة العربية، والأمة العربية كانت بفطرتها مهيئة كل التهيؤ لأن تحمل هذه الرسالة، فجاء حملها لهذا الأدب من القرآن كما ينبغي أن يؤدى ويُحمل إلى العالم أجمع؛ والأدب الإسلامي الَّذي نتحدث عنه الآن هو ليس إلاَّ صورة مما كان يعتلج به قلوب المسلمين الأوائل أول ما ظهر نور الإسلام، والإسلام يحتوي على الآداب بكل أنواعها، آداب التعامل بين الإنسان والإنسان وحتى بين الإنسان والحيوان، حتى بين المجتمعات بعضها مع بعض، بل في كل العلاقات الإنسانية بين الناس بعضهم مع بعض، تجارة وصناعة وتعارف وتبادل تحيات.
- وأذكر كلمة لزويمر اليهودي، نشرها الشيخ شكيب أرسلان في كتاب حاضر العالم الإسلامي، على هامش الكتاب الَّذي تحدث فيه عن زويمر، يقول زويمر: إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) أقام دينه على أسس متينة قوية جداً ووصفها بأن أول هذه الأسس السلام، إفشاء السلام، يلتقي المسلم العربي مع المسلم العربي في الصحراء وقد يكون أحدهما أقوى من الآخر أو أغنى من الآخر، أو فيه مطمع للآخر، فيلقي الواحد منهما السلام على أخيه، فيرد عليه التحية بأطيب منها، فتنعقد بينهما صفقة السلام وهذه الصفقة تلزم كل واحد منهما أن يكون أخاً للآخر، لأنَّ المسلم أخو المسلم؛ والأساس الثاني هو إقامة الصلاة جماعة في المساجد، وهذه تعلم المسلمين الطاعة والنظام، واتباع الإمام أو القائد أو الملك الَّذي يوجههم التوجيه السليم؛ وهذه من الأسس المهمة التي أشاعت بين المسلمين الآداب الإسلامية؛ وقال أخيراً مؤتمر الحج، قال هذا الحج ينعقد هذا المؤتمر في بلاد لا يدخلها غير المسلمين، فوجود المسلمين وحدهم في هذه البلاد وأداؤهم للعبادات التي هي مناسك الحج، والتي تبتدئ هذه العبادة في أن يتخلى كل فرد من الحجاج عن ملابسه التي تعرفه إلى أي بلد ينتمي أو إلى أي جنس ينتمي، حتى يبقى انتماؤه خاص بالإسلام وحده، فلا يعرف واحد منهم أنه من هذا الجنس ولا من هذه البلدة، ولكنه يعرف أنه مسلم وجاء إلى بلاد الإسلام، ويلتقي بإخوانه المسلمين، ويشهد - كما قال الله تعالى - منافع لهم؛ والقرآن لما جاء في المنافع هذه لم يخصصها بمنافع دينية ولا دنيوية ولا أي نوع من الأنواع التي يطلق عليها اسم منافع، ولكن كل المنافع التي توحد الأمة الواحدة، الأمة المسلمة الواحدة.
- فزويمر كان يتلظى من الغيظ أن الإسلام قام على هذه الأسس التي توجِد العالم الإسلامي الموحد في أخلاقه وعاداته وأفكاره، ولا يفرق بينهم بسب بلدانهم أو عاداتهم أو تقاليدهم؛ هذا هو أدب الإسلام، وهذا هو الأدب الَّذي نسأل الله أن يعين المسئولين أولاً من علماء الدين ثم من أقطاب التفكير النقي الطاهر بين المفكرين المسلمين، لكي يضعوا مناهج الأدب الإسلامي، حتى يتخلص الأدب الإسلامي من الأشياء التي تحول بينه وبين أن يكون أدباً إسلامياً يعطي بركاته وخيراته، ليس للمسلمين وحدهم بل لأهل الذمة أيضاً. وللعالم أجمع كما كان ظاهراً في صدر الإسلام، لأن معظم العالم الَّذي دخل في الإسلام نتيجة إعجابه بتقاليد الإسلام ونور الإسلام.
- وأذكر أنه كان في حرب الفرس للمسلمين، وجد الفرس من قوة المسلمين وشجاعتهم ما غلبهم على أمرهم، وطلب قائد الفرس من قائد المسلمين أن يأتيه للاتفاق معه، وكان قائد المسلمين أبوعبيدة، فأبوعبيدة لم يأت إليه ولكن أرسل له أحد قواده، فجاء المسلم النائب عن القائد الإسلامي ودخل على قائد الفرس، دخل عليه في ديوانه العظيم المفروش بالسجاجيد الَّذي يعبر عن ترف الفرس في ذلك الوقت، دخل بفرسه، بحصانه إلى داخل الديوان، أراد الحرس أن يوقفوه خارج الصيوان فرفض، ودخل لأنه هو سيد الموقف، وجه إليه قائد الفرس سؤالاً هو: من أين جئتم؟ قال له: جئنا من عند الله لنقيم العدل بين الإنسان وأخيه الإنسان، وأخذ القائد المسلم يشرح للقائد الفارسي ما هو العدل في الإسلام، وما هي الولاية في الإسلام، وما هو الحكم في الإسلام، وما هي الرعوية في الإسلام، فكان بعض الفرس الحاضرين حول القائد الفارسي.. يتهامسون هذا هو الَّذي نتمنى أن يكون بيننا، لأنهم كانوا يعانون من صلف حكامهم واستعبادهم لهم، فلما سمعوا بفضائل الإسلام تحدثوا عن هذه الفضائل.
- وأذكر قضية أعتقد أنها وقعت لحاكم المسلمين في قبرص، لما كانت تحت يد المسلمين في زمن عمر بن عبد العزيز، فدخل الناس أفواجاً في دين الله بروح الإسلام وليس بالدعوة للإسلام، فتناقصت الجزية ودخل بيت المال بقدر ما زاد عدد المسلمين من القبارصة، فشكا حاكم قبرص إلى سيدنا عمر بن عبد العزيز، إنه تناقصت الجزية حتى ابتلي بيت المال بالعجز عن أداء استحقاقات المسلمين، كأنما يقترح على سيدنا عمر بن عبد العزيز أن يجيز أي تصرف يجعل الدخول في الإسلام مقيد بقيود، فأرسل له سيدنا عمر بن عبد العزيز خطاباً يقول له فيه: إن محمداً لم يرسل جابياً وإنما أرسل رسولاً لكي يهدي الناس إلى دين الله..
- فالشاهد أنَّ الأدب الإسلامي أعتقد أنه يحتاج إلى حملة عنيفة من القادة العلماء بالإسلام وبحقائق الإسلام، وهذا الأدب الَّذي يتسع ليشمل الأسرة والجماعة والمجتمعات وحتى أعداء المسلمين، والَّذين هم على غير دينهم لو بعث الأدب الإسلامي بحقيقته كما هو موجود في كتاب الإسلام الَّذي هو القرآن، وكما هو موجود في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي دليل القرآن، ولا سيما في عصرنا الحاضر الَّذي اتسعت الثقافة فيه وتوسع العقل الإنساني فيه، وأصبح الناس مما يعانونه من مصائب الحياة وعنفها وقسوتها، يترسمون الطريق إلى السعادة والراحة، وكثير من علمائهم وجدوا الطريق إلى الإسلام فدخلوا الإسلام.
- وأذكر أنني كنت في اجتماع في سيئول وبدعوة من الحكومة، وبعد أن انتهى برنامج الحكومة في اللقاءات، طلب مني بعض المسلمين هناك أن أعمل لقاء معهم لنعرف أحوالهم فتحدث واحد منهم، وقال: أنا فلان.. مستواي في الحياة الاجتماعية كذا، أي من أرقى المستويات، وحالتي المالية والثقافية كذلك، وأنني كنت على دين غير الإسلام، وشغل بالي في سيئول دين يسمونه "هنانيم"، ولعله من الأديان السماوية التي درست، لأن فيه كثيراً من أخلاق الإسلام؛ فقال أنا أردت أن أبحث عن سلامة روحي بعد الحياة الدنيوية، فدرست الأديان، درست النصرانية - المسيحية - ودرست اليهودية، والبوذية، وغيرها من الأديان، فلم أجد ما يؤمن روحي بعد أن أنتقل إلى الدار الآخرة إلاَّ القرآن.. لأن كل شيء مميز في القرآن.
- وأنا أعتقد - ولا أريد أن أطيل، لأن هذا شيء يعرفه كل واحد منا - أنا أعتقد بأننا في حاجة إلى عزائم قوية من علماء الدين أولاً ومن المفكرين المسلمين عامةً، ومن كل أصحاب الأرواح الصافية النقية من المسلمين، لكي يتلمسوا الطريق إلى إيجاد الصورة الصحيحة للأدب الإسلامي، لكي تتحول الحياة مما هي عليه صراعٍ دامٍ تزهق فيه دماء الأبرياء والنساء والأطفال، والآخرين يتفرجون على هذه المآسي بدون أن يقولوا كلمة فيها، لو بعث الأدب الإسلامي بحقيقته وغذيت به الأرواح والعقول، لوجدنا مجتمعات نقية طاهرة كما قدمها لنا التاريخ الإسلامي كأفضل ما يمكن أن يقدم للإنسانية.
- وأشكركم على هذا الإنصات، والواقع أن هذا الموضوع الَّذي سُئلت عنه لا يكفي فيه حديث مقتضب في دقائق، ولا يكفي فيه جهد فرد، ينبغي أن يؤدى من جماعة مؤهلة لهذا الأداء، وأن يكون بتوسع، وأن يكون بشمولية تامة؛ وأسأل الله أن يوفقنا في هذه الاثنينية أن نفكر في تحقيق هذه الغاية.
- والسلام عليكم.
ووجه الشيخ عبد المقصود خوجه لمعالي الدكتور محمد عبده يماني السؤال التالي:
- قبل تعيينكم وزيراً للإعلام لم يسبق أن نشرت الصحافة السعودية تفاصيل ما يدور في جلسات مجلس الوزراء، وقد لاحظنا بعد تعيينكم وزيراً للإعلام بدأنا نقرأ تفاصيل ما يدور أو ما يصدر عن مجلس الوزراء في اجتماعاته؛ فما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك؟
- في الحقيقة: الَّذي ينظر إلى هذه القضية ينظر إلى تكوين المملكة العربية السعودية على أننا أمة تقبل كل جديد، بشرط أن لا يتعارض مع الثوابت الأساسية في حياة هذه الأمة، وهكذا تجد أن حكام هذه البلاد لهم صدر رحب في تقبل مثل هذه القضايا.. هذه القضية بالفعل دخلت مجلس الوزراء وأنا مدير لجامعة الملك عبد العزيز، ولم يكن لدي أي فكرة عن المجلس ولا عن قوانين المجلِس، ولا عن أنظمة المجلس؛ وكان أَنْ دخلت المجلس لنحلف اليمين القانونية، وفجأة أبلغنا أن جلسة لمجلس الوزراء ستنعقد بعد أداء القسم في مجلس الوزراء، برئاسة الملك خالد (رحمه الله)، وكان سمو الأمير فهد بن عبد العزيز - خادم الحرمين الشريفين اليوم - ولي العهد، ففجأة حضرنا جميعاً للمجلس، وبدأ المجلس في نقاش موضوعات جادة وقيمة منها كيفية تنظيم المرحلة القادمة، والاستفادة من طاقات الوزراء الجدد، إلى غير ذلك من الكلام الجميل؛ ولكن بعد أن انتهت الجلسة فجأة خرج جميع الوزراء، الملك خرج، وجميع الوزراء خرجوا، أما أنا كمدير للجامعة لم أجد وسيلة لخروجي، فبقيت في مكان وكأني في مجلس جامعة أنتظر حتى يتم انصراف الجميع، كأني أنتظر صافرة المدرسة؛ وبعد أن غادر الجميع المكان خرجت فوجدت الصحفيين (جزاهم الله خيراً) منتظرين مع أنهم بصراحة في هذه الحالة كانوا "ملاقيف" لا أكثر ولا أقل، فهم يعلمون أنه لم يسبق أن أذيع خبر، فماذا يريدون؟ فجأة سألوني ماذا تم في مجلس الوزراء؟ فأنا وجدت من الأمانة أن أقول لهم بالضبط ما حصل، قلت لهم: والله حصل كذا وحصل كذا.. كل الَّذي حصل في المجلس أذعته.
- بعد أن أذعته بطبيعة الحال نشروه، أخذته الإذاعة، لأنه من وزير الإعلام، هاتفني أمين عام المجلس في البيت قريب المغرب فما وجدني، فسأل أم ياسر، فأجابت على عادتها في الجامعة إذا سأل عني أحد أجابته: نائم؛ فقال لها: أنا أمين المجلس، فكررت إجابتها: إنه نائم وليس في وسعي إيقاظه؟ قال لها: يا أمي قضية مهمة؟ قالت له: لا تتعب نفسك فليس في مقدوري أن أوقظه.. فلما صحوت من النوم قالت لي: لقد اتصل فلان؛ قلت لها: ربما حدث شيء مهم؛ فهاتفته.. فقال: يا دكتور الآن أخبار مجلس الوزراء في الإذاعة وفي التلفاز وفي الصحافة؟ فقلت له: والله في الإذاعة ربما، أما في التلفاز فلا، لأن التلفاز لا يعمل إلاَّ في الليل، ولن تظهر في الصحافة إلاّ غداً؛ قال لي: يا دكتور هذا أمر مستحدث.. فأسرار الدولة لا يجوز أن تذاع لأنه لم يسبق مثل هذا الأمر؛ فوجدت نفسي الغريق فما خوفي من البلل؛ فقلت له: على أية حال هذا اجتهاد مني وأنا مسؤول أمام الملك؛ والتفت إلى أم ياسر وقلت لها: إذا لم تفتحي الحقائب فدعيها مقفلة، يبدو أننا سنرجع بسرعة جداً لأنه هناك مصيبة كبيرة تحتاج إلى حل.
- وفي الليل ذهبت، فإذا الأخ أحمد زكي والأخ هشام يسألانني عما حصل وكيف حصل؟ فقلت لهم: أنتم وزراء قدامى لماذا لم ترشدوني؟ وفي اليوم الثاني ذهبت للمجلس، وكان الأمير فهد جالساً وكان ولي العهد؛ فلما دخلت جلست تلقاءه دون أن أعرف أبعاد المسألة، فناداني الملك خالد وقال: محمد، فتوجهت إليه ولكني قبل أن أصل إليه وقفت وتمتمت ببعض الأدعية قلت: يا لطيف يا حفيظ.. فلما وصلت عنده.. بدلاً من أن يسألني قال لي: ماذا قلت لما وقفت؟ قلت: طال عمركم قلت يا لطيف.. قال: لماذا؟ قلت: لعل في الأمر مشكلة، في الإذاعة أو التلفاز يستدعي إحضار أحد أو مساءلة أحد؛ فقال لي: لا.. لا.. إنما أريد أن أشكرك على خبر البارح، الحقيقة إنه طيب، فالناس سمعوه والأمراء في المناطق أبلغونا ذلك وكان معقولاً.
- فاسترجعت بعد كلمته هذه أنفاسي لأن الجو الَّذي هيؤوني له كان جواً صعباً، فأيَّد الأمير فهد الموضوع وانتهت المسألة.
- هذه العملية جرأتني على أمور كثيرة مثل اشتراك رؤساء التحرير في حوار خادم الحرمين وقضايا أخرى وجدت أن الدولة تقبل مبادرات وتقبل أشياء كثيرة، المهم أن تكون في إطار عملية رائدة مخلصة، وهذه صورة من صور التحولات التي نعيشها في مجالات مختلفة.. نسأل الله (سبحانه وتعالى) أن يوفقنا لشكر النعم.. وشكراً لكم.
 
ووجه الأستاذ عثمان مليباري السؤال التالي لمعالي الشيخ حسين عرب:
- أرجو ذكر أسماء كتّاب الزوايا والأعمدة المهمين في صوت الحجاز، كما أرجو إعطاءنا نبذة عن حياة حسين نظيف (رحمه الله) صاحب زاوية من ثقب المجتمع في البلاد السعودية؟
وأجاب معاليه قائلاً:
- لا أذكر أنه كان في تاريخ صوت الحجاز - من نشأتها إلى أن تغير اسمها إلى البلاد السعودية - زاوية مختصة دائمة لأي كاتب كان، لكن كانت هناك أشياء تنشر بين الفينة والأخرى تحت عنوان واحد لشخص واحد أو أديب واحد، من هؤلاء الَّذين أذكرهم الأستاذ حسين نظيف (رحمة الله عليه) كان هذا رجلاً من الناس الممتازين في مكة المكرمة، رغم احتكاكه بالأدباء وبكبار الكتاب وبالرؤساء، ولكنه حافظ على عمله الَّذي يرتزق منه وهو مهنة سمكري، وكان بإمكانه أن يرتزق من عمل آخر، وكان مجال التوظيف مفتوحاً له ولمثله ولمن هو أقل منه، لكنه آثر أن يستمر في عمله وأن يساير الأدباء والشعراء والكتاب في ما يقرؤه وما يقترحه وما ينشره، وكان بين الحين والآخر ينشر تحت عنوان من ثقب المجتمع، وهي ملاحظات نقدية اجتماعية ربما لا يدركها غيره لأنه مختلط بأوساط الناس وعوام الناس، فكان يستقي الأفكار والأحاديث من الوقائع التي يصادفها.. وكان على صلة كبيرة بجميع الأدباء الكبار منهم والصغار، وكان اجتماعياً بطبعه، ويميل أحياناً إلى نوع من الفلسفة الهذرية فيمتع بها السامعين ويجد تجاوب وتقدير وتكريم من أصحاب الأقلام، والشعراء، والأدباء إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى.
 
ثم وجه الدكتور عبد الله مناع للأستاذ السيد محمد حسن فقي سؤالاً يقول فيه:
- نرجو أن يحدثنا الأستاذ السيد محمد حسن فقي عن تجربته برئاسة تحرير صوت الحجاز كثاني رؤساء التحرير، وكيف كانت طبيعة الصحف في ذلك الوقت، وما هي الأسباب التي أدت إلى تنحية الأستاذ الآشي بعد شهور قليلة، وقد كان رئيس تحرير واعداً؟
فأجاب معاليه قائلاً:
- بسم الله الرحمن الرحيم.
- كما أخبرتكم - أولاً - أن أول رئيس تحرير لجريدة صوت الحجاز هو الأستاذ الجليل الشيخ عبد الوهاب آشي، وقد أراد الله ورأت الحكومة أن جماعة من الشباب يسيرون على خط لم يعجبها يومئذٍ، فأمرت باعتقالهم وإرسالهم إلى الرياض جميعاً؛ وبسبب هذا دعيت أنا إلى العمل في صوت الحجاز، وكما أخبرتكم أني ذهلت لهذا الاستدعاء، وكنت أعرف أنني غير كفؤ لهذا الاستدعاء، ولكن معالي الشيخ محمد سرور (رحمه الله) أصر على ذلك ووعدني بالعون ما استطاع هو والشيخ محمد صالح نصيف (يرحمهم الله).
- والحقيقة أن جريدة صوت الحجاز نشأتها كانت نشأة غريبة جداً، فكانت هناك مطبعة بدائية بسيطة كل البساطة، وكانت في شبه بدروم في محلة الشبيكة، وكان رئيس التحرير هو ومدير الإدارة يقومان بكل شيء، لم يكن هناك موظفون غير رئيس التحرير ومدير الإدارة، وسرنا على هذا السبيل على بركة الله، وما كانت هناك أقلام كثيرة تكتب نثراً أو شعراً إلاَّ القليل، ولذلك كان - كما قلت سابقاً - رئيس التحرير ومعه مدير الإدارة هو أخي الأستاذ أحمد السباعي، كنا نشترك في التحرير وفي الإدارة، وكانت - كما قلت لكم - في محل ضيق، شبه بدروم في محلة الشبيكة؛ ومكثنا على هذا الأساس مدة من الزمن وأنا أنشر ما أستطيع، أحياناً أكتب الافتتاحية، وإذا أتتني مقالة قيمة وضعتها مكان الافتتاحية، وكتبت شيئاً آخر.. وهكذا إلى أن جاءني ذات يوم رسول من الشيخ محمد سرور الصبان (يرحمه الله) وقال لي: إن معالي الشيخ عبد الله السليمان وزير المالية يرغب في أن تعمل لديه محرراً في وزارة المالية، فذهبت وسألت الله (سبحانه وتعالى) العون لمن سيأتي بعدي، لأنني أعرف الحالة والوضع الَّذي عليه الصحيفة، وما كانت تصدر إلاَّ أسبوعية، وكانت تنشر وتوزع في نطاق ضيق جداً..
- هذا كل ما أعرفه عن جريدة صوت الحجاز، وهناك أشياء كثيرة، ولكن ذاكرتي الكليلة لا تساعدني على استذكارها لأتفضل بإلقائها عليكم.
- والسلام عليكم ورحمة الله.
 
ومن الأستاذ أسامة أحمد السباعي رئيس تحرير جريدة المدينة وُجِّه سؤال إلى معالي السيد حسن كتبي يقول فيه:
- حبذا لو تفضل الأستاذ حسن كتبي وحدثنا عن الظروف التي أتت به إلى صوت الحجاز رئيساً لتحريرها، على إثر ترك السيد محمد حسن فقي لرئاسة التحرير، وكيف ترك السيد الكتبي الجريدة؟
وأجاب معالي السيد حسن كتبي قائلاً:
- أعتقد أن هذا سؤال سأجيب عن طرف منه، ولكني لا أستطيع الإجابة بالتفصيل الكامل؛ أما الطرف الَّذي أستطيع الإجابة عليه هو أن الشيخ محمد صالح نصيف (رحمه الله) كان ودوداً ولطيفا ً، ويتحبب إلى كل الناس الَّذين يرغب التعامل معهم وجرّهم إلى العمل في الصحيفة؛ وأذكر أنه زارني في يوم من الأيام زيارة مفاجئة، ولم تكن لهذه الزيارة مناسبة بحال من الأحوال، لأني كنت متخرجاً من الدراسة العليا حديثاً، وكنت على عزم العودة إلى الهند مرةً أخرى لأسباب يعلمها الحاج محمد علي زينل، غير أني لم أكن أعلم بشيء منها، وكنت مشتغلاً بالقراءة والدراسة والكتابة في جريدة صوت الحجاز، ولذلك كانت زيارة الشيخ محمد صالح نصيف هي زيارة مفاجئة، وكان مفاجأة أكثر أنه جاء بدون موعد، وجاء إلى غرفة الطالب الَّذي يعيش في بيته في غرفة أشبه بالغرف التي يعيش فيها التلاميذ، سواء في مدارس داخلية أو في بيوتهم.. وكنت في ذلك الوقت مشغولاً بتأليف كتاب في السياسة، لأنه كان من ضمن مقرراتنا في الدراسة العليا، دراسة مقدمة ابن خلدون في السياسة الإسلامية، كيف تنشأ الدولة، وكيف تقوى، وما هي مهماتها، وكيف نظامها وسلوكها، ولا سيما الدول الإسلامية لأنها ذات حدود ضيقة جداً ومنظمة في منتهى التنظيم، تنظيمها جيد بأوامر إلهية وليس باختيار البشر.
- وفي يوم من الأيام دخل علي الصديق الشيخ محمد سعيد عامودي (رحمه الله) كان من خيرة الأساتذة والأدباء والإخوان المفضلين عند كل معارفهم، دخل عليَّ بكتاب: "الأمير" لمكيافيللي، وهذا الكتاب يشرح السياسة الاستعمارية بكل مساوئها وقبائحها، وجاء بهذا الكتاب لأطلع عليه، وعندما اطلعت على هذا الكتاب شعرت بالفرق الشاسع بين السياسة الإسلامية في أوجها ونورها وعدلها وكل ما فيها من معانٍ طيبة، والسياسة الاستعمارية التي تقوم على استعباد الإنسان للإنسان وظلم الإنسان للإنسان، وأسوأ ما يمكن أن أتصوره ما يقدمه الوحش لفريسته، فتاقت نفسي إلى مقارنة هذه السياسة النورانية التي تقوم على العدل والإنسانية والسياسة الكئيبة هذه السوداء، فاشتغلت بكتابة المقارنة بين السياسة الإسلامية والسياسة الاستعمارية، والله وفقني لكي أكمل هذا الموضوع، وقدمت هذا الكتاب هدية للملك عبد العزيز لانتصاره على المشاكل التي كانت حادثة في اليمن عن طريق جلالة الملك فيصل عندما كان نائباً لأبيه في الحجاز، فجاءني الشيخ محمد صالح نصيف في بيتي وكنت مشغولاً بهذا الكتاب، كتاب السياسة، يطلب مني طلبات أخر، وكان يتعذر علي أن ألبي طلبه لانشغالي بهذا الموضوع المهم، ثم بعد ذلك عرض علي أن أجيء لرئاسة تحرير صوت الحجاز.
- وكان سبقني إلى هذا المركز أساتذة أفاضل منهم الأستاذ عبد الوهاب آشي (رحمه الله) وكان أستاذي، ومنهم السيد محمد حسن فقي، وهذا من خيرة الأدباء الَّذين كان تقريباً اسمه ساطع في الميدان، ومحمد سعيد عامودي، وأنا تصورت لماذا كل هؤلاء الأشخاص جاؤوا للوظيفة، ثم خرجوا منها بدون أن يكملوا الوقت الكافي لكي يؤدوا رسالتهم، وعلمت الأسباب، فهذه الأسباب كانت كافية لتصرفني عن تلبية الطلب، ولكني فوجئت بعضوين من أعضاء مجلس الشورى جاؤوا لزيارتي أحدهما السيد علي كتبي وهو خالي، والثاني الشيخ محمد حسين باسلامة، الأديب المعروف والمؤرخ المعروف، وكلاهما كان من الشخصيات الجليلة التي لا يمكن لإنسان أن يتردد في قبول طلب يطلبونه؛ فطلبوا مني أن أتولى رئاسة التحرير، فأنا بطبيعة الحال وجدت نفسي ملزماً بأن ألبي طلبهم وحضرت للجريدة، وطلبت من الشيخ محمد صالح نصيف أن أعمل في الجريدة شريطة ألاَّ يكون لأي أحد حق التدخل في شؤون التحرير، لأني وجدت الجريدة في ذلك الوقت تتحدث بلسان المجتمع الحجازي، والمجتمع الحجازي له حدود أخلاقية وأدبية وسلوكية، ينبغي أن يتعرفها الناس عن طريق جريدتهم التي تنقل لهم آراء أدبائهم الَّذين يوجهون الحياة.
- فأنا أردت الجريدة أن تأخذ اتجاهها السليم لتؤدي هذه الرسالة، ولذلك شرطت أن تكون كل شؤون التحرير من مسؤولياتي ولا يمكن لأحد أن يتدخل حتى مدير الجريدة لا يحق له أن يتدخل في هذا الموضوع، ومضينا على هذا المنوال فترة من الزمن، لكن الشيخ محمد صالح نصيف (الله يرحمه) كانت علاقاته بالآخرين علاقات واسعة ووثيقة، ويتحرج أحياناً عندما تتعارض آراؤه مع آراء الناس ويضطر لأجل مسايرتهم، ومن ذلك قيامه ذات مرة بنشر قصيدة شعرية لا تتناسب مع روح الجريدة، فأنكرتُ عليه ذلك وبدأ الاختلاف في الطريق بيني وبينه؛ ثم بعد ذلك حدث أن الأستاذ طه حسين الكاتب المصري المشهور - وكان منحرفاً عن الآداب الإسلامية وقد تصدى له بعض الكتاب الكبار مثل الغمراوي - طه حسين كتب يرشح شخصاً من الأدباء الحجازيين، وكان أديباً بلا شك، ولكنه لم يكن يمثل الروح الحجازية الصقيلة التي تتمسك بآداب مخصوصة بعينها؛ رشحه طه حسين ليكون هو المثل الأعلى لأدباء الحجاز، فأنكرت هذا التمثيل وطلبت من أديب ممتاز جداً من أدبائنا أن يكتب كتابة يعدل الرأي هذا، وكتب الأخ الأديب عمر الدغستاني كتابة موزونة جداً يعالج الموقف وعلقت عليها تعليقاً جيداً، ولكن الشيخ محمد صالح نصيف رفض هذا وأيد الأستاذ الَّذي كتب عنه طه حسين، فكان هذا السبب الَّذي دعاني للدخول في تحرير الجريدة، وهو السبب الَّذي دعاني للخروج منها.
 
- والواقع أنني كنت أعتقد في ذلك الوقت ولا زلت أعتقد أن جريدة صوت الحجاز سابقاً - والتي هي جريدة البلاد الآن - هي الدعامة لتقديم الأدب في هذه البلاد، لأن الأدب هو الَّذي ينبغي أن يوجه الحياة، صحيح أنه يوجد عندنا صحافة قوية تعالج قضايا الصحافة بكل أنواعها، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وكذلك تنقل الأخبار التي تحدث في العالم على الوجه الَّذي ينبغي أن يؤخذ عليه ويفهم عليه؛ وأنا أحمد الله أن صحافتنا في هذه البلد لم تنحرف في يوم من الأيام، سواء منذ بداياتها حتى الآن لم تخرج عن الروح التي هي مقيدة بها والتي هي روح هذا البلد.
 
- هذا هو ما لدي فيما يتعلق بعلاقتي بصحيفة البلاد، ولكنه رأيي في الصحافة في هذه البلاد عامة، وأنا أقول إن الصحافة في هذه البلاد أنزه صحافة في العالم العربي، وأتمنى التوفيق للجميع.
 
ثم وجه الأستاذ عبد العزيز عسيري سؤالاً إلى معالي الأستاذ حسين عرب يقول فيه:
- مقولة الصحافة السلطة الرابعة، ما مدى تحقيقها بدءاً من صوت الحجاز إلى الآن بالنسبة لمؤسسة البلاد للصحافة والنشر؟
 
وأجاب معاليه قائلاً:
- هذه المقولة، منقولة عن الغربيين حرفياً، وفي أوروبا وأمريكا هناك انحطاط في الفكر والرأي إلى حدود دنيا لا يصح أن نصل إليها نحن؛ فكون الصحافة السلطة الرابعة هذا اسم كبير جداً على الصحافة، لأن الصحافة تقوم على خدمة المجتمع لا التسلط عليه، وتقوم بتقديم العلوم النافعة والأخبار النافعة وليس التهريج والتشهير والإساءة إلى الآخرين، إذا خرجت الصحافة عن مفهومها الإعلامي، والإعلاني، والأدبي والثقافي، والسياسي، تصبح غير ذات موضوع، ولا تستحق الاحترام، وأنا أحمد الله أنَّ الصحافة عندنا ملتزمة بالنهج الصحيح، وإن كانت هناك تراجعات في بعض الطروحات، لكن من الأفضل أن يطلع الإنسان على أشياء أخر في صحافة أخرى قد تكون أوضح ومصدرها أصح، وعمقها أو صلتها بالمسؤولين أكثر تحديداً لما يمكن أن ننشره نحن عن الآخرين؛ فالصحافة لا شك أنَّها سلطة لكنها ليست السلطة الرابعة، كل عمل يقوم به الناس يمثل سلطة، يمثل أداء خدمة، يمثل فائدة، يمثل نهجاً؛ ما كان منه حسناً فله أجره، وما كان سيئاً فعليه وزره؛ والصحافة من ضمن هذه الأشياء.. وشكراً.
 
ومن الأستاذ رفقي الطيب وجه للأستاذ السيد محمد حسن فقي، السؤال التالي:
- هل يمكن اعتبار جريدة صوت الحجاز امتداداً لصحيفة بريد الحجاز، ولماذا؟ وهل يمكن إعادة نشر نماذج مما كان يكتب فيها آنذاك من باب العلم بالشيء؟ وأنتم تشرفون على المجلة العربية.
وأجاب السيد محمد حسن فقي قائلاً:
- إن صوت الحجاز وبريد الحجاز صحيفتين قريبتين من بعضهما، وكلتاهما كانتا في بدء هذه النهضة، وكلتاهما كانتا تشقان طريقهما بصعوبة بالغة؛ وكما قلنا وقال الإخوان: إنّ الكتَّابَ والشعراء كانوا قلة في ذلك الوقت، أما اليوم - وبفضل الله - اتسع مجال الثقافة، وأصبح لدينا كثير من الأدباء كتاباً وشعراء، وبذلك أصبحت صحافتنا بحمد الله غنية بما تنشره وما تذيعه، وسواء كان من رجالاتنا هنا أو من البلاد العربية؛ أما المجلة العربية فهذه كانت فكرة معالي الشيخ حسن عبد الله آل الشيخ (رحمه الله)، وكان أول رئيس تحرير لها فيما أعتقد الدكتور منير العجلاني، وهو رجل فاضل وأديب كبير، وتقريباً أكاد أقول إنه موسوعة علمية؛ وشاء حسن حظي أن أتصل به اتصالاً وثيقاً، فكان يزورني دائماً في مكتبي وأزوره كثيراً، وكان الشيخ حسن (رحمه الله) كثير الإعجاب به؛ والحقيقة أن المجلة العربية في عهد منير العجلاني كانت على قسط كبير من القوة ومن الذيوع والانتشار، ثم أصر معالي الدكتور منير العجلاني على الاستقالة لكبر سنِّه، وكنت مستشاراً للمجلة العربية.
- وذات يوم استدعاني معالي الشيخ حسن (يرحمه الله) ليناقشني في موضوع من يختاره لرئاسة تحرير المجلة، وعرض عليَّ هذا الأمر رئاسة التحرير، فاعتذرت له بشدة وأخبرته أنني لا أستطيع أن أقوم برئاسة التحرير، وفكرنا في الأمر تفكيراً كبيراً، ثم وقع اختيارنا على الأخ الأستاذ حمد القاضي، وهو الَّذي يقوم الآن برئاسة التحرير، وأعتقد أن المجلة العربية تشق طريقها، مع بقية المجلات والصحف وتتطور باستمرار، نرجو لها المزيد من التطور والازدهار.. والسلام عليكم ورحمة الله.
 
ومن الأستاذ عبد الباقي غيث وجه سؤال لمعالي الشيخ حسين عرب هو:
- كيف كانت تدفع مكافآت الأساتذة الكُتَّاب آنذاك، وما هي رواتب رؤساء التحرير وأيضاً سكرتير التحرير؟
وأجاب معاليه على السؤال بقوله:
- أولاً لم تكن هناك مكافآت للكُتَّاب إطلاقاً، ومع ذلك كان الكُتّاب والشعراء أصحاب فضل على الجريدة وعلى القراء بمواصلتهم النشر شعراً ونثراً وفلسفة وسياسة، وكل شيء بدون مقابل إطلاقاً، بل ربما يصادفون أحياناً حالات من تعنت رؤساء التحرير في حذف كلمة أو تعديل جملة، أو شيء من هذا القبيل؛ فكانوا أصحاب فضل دون شكّ؛ أما رواتب رؤساء التحرير وسكرتير التحرير، ففي ذلك الوقت لم تكن هناك رواتب، وكان الناس أكثر اقتناعاً وإخلاصاً مما هم عليه الآن، حين طغت المادة بجبروتها على العقول والنفوس ففقدنا خيراً كثيراً كنا نلمسه ونراه في الآخرين.. لم تقرر مكافآت إلاَّ ربما في السبعينات حين اتسع المجتمع واتسعت دائرة المتعلمين والمثقفين والقراء، واتسعت الحركة التجارية فكان منها الإعلانات في الصحف والاشتراكات والمبيع، في هذه الحالة توفرت مبالغ للصحف استطاعوا أن يصرفوا منها مكافآت الكُتَّاب منذ ذلك التاريخ، وفي علمي أنه حتى الآن هناك كُتَّاب لا يتقاضون شيئاً، وهناك كُتّاب ربما كانوا موظفين أو وضعهم يحتاج أن يتقاضوا شيئاً، وهذا لا غبار عليه.
- وجه الحياة بين الماضي والحاضر تغير كثيراً، ونحن الَّذين أدركنا الماضي بحسناته وخيراته وسيئاته وشروره، نعيش اليوم الحاضر بكل ما فيه من تراكمات ومن إِبداعات ومن خيرات، ونسأل الله السلامة والتوفيق، والله الموفق.
 
ووجه للأستاذ السيد محمد حسن فقي السؤال التالي من الدكتور زاهد محمد زهدي:
- علمت أنكم توليتم رئاسة التحرير وأنتم في العام العشرين من عمركم المديد، فهل كانت لكم قبل ذلك وخلال سني الدراسة مطامح صحفيّة وتطلعات للعمل في الصحافة؟
وردّ السيد محمد حسن فقي على السائل بقوله:
- الحقيقة أني أذكر بمناسبة السؤال هذا قضية أثيرت عليَّ بمسألة السن، طلب مني معالي الشيخ محمد سرور الصبان، والشيخ محمد صالح نصيف أن أذهب إلى وزارة الخارجية وأجتمع بالأستاذ فؤاد حمزة، وكان يومها وكيلاً لوزارة الخارجية، فذهبت إلى هناك، وكما قلت لكم: أني كنت فتىً صغيراً قليل التجربة كل ما عندي روح أدبية تحنّ إلى الأدب نظماً ونثراً، وكنت أتجهم من هذه الوظيفة، وظيفة رئاسة التحرير في صوت الحجاز؛ فذهبت إلى وزارة الخارجية ووجدت الرجل ومعه الدكتور موفق الألوسي، وهذا رجل عراقي كان من كبار وزارة الخارجية؛ كان معهما رجل ثالث لا أذكر اسمه الآن، كان من الحجازيين ويجيد الفرنسية أيضاً، فرأيت في وجه الدكتور موفق الألوسي شبه استهتار وازدراء؛ قال من الَّذي جاء بهذا الفتى؟ كان الشيخ فؤاد حمزة أخبره أن هذا المرشح لرئاسة التحرير، فيقول له: من هذا الغليم؟ فطالعت في وجه الشيخ فؤاد حمزة فوجدت فيه شيئاً من الاستنكار لهذا السؤال، وكأنه فهم مني على رغم عدم معرفتي باللغة الفرنسية، ولكن بالفراسة قرأت في وجهيهما أنَّ هناك شيئاً حولي؛ فأجابه إجابة يتضمن معناها أن هذا شيء لا يليق لا سيما وهو المرشح الآن.
- ثم تحدث إلى الشيخ فؤاد حمزة عن السياسة العامة للبلد والوضع العام فيه، وطلب مني مراعاة هذه الأمور كلها لئلا أقع في مشاكل، وكان يعرف أنه وقعت لي - وأنا في هذه السن - مشكلة قبل هذه، فكأنه كان يخبرني أو ينذرني بأنني لا أعود لمثل ذلك؛ وعملت في جريدة صوت الحجاز كما أخبرتكم، واعتمدت على الله (سبحانه وتعالى) ولكني كنت أعرف أنني لا أستطيع أن أحل محل أخي الكبير الأستاذ عبد الوهاب آشي (رحمه الله)، ومشيت على بركة الله كما أخبرتكم، وأذكر من جملة من كان يكتب في ذلك الوقت الأستاذ أحمد السباعي، وكان معي - يتولى مسؤولية - مدير إدارة والأستاذ محمد سعيد العامودي، والأستاذ حمد الجاسر وكانوا قلة، وكما قلت: إن رئيس التحرير - في ذلك الوقت - كان يضطر إلى أن يكون هو المحرر لكل شيء؛ كنا اثنين فقط مع الشيخ محمد صالح نصيف، وكان الشيخ محمد صالح نصيف - كما قال أخي الأستاذ كتبي - كان يتدخل في كل كبيرة وصغيرة مما يضايق رئيس التحرير، فيضطره في آخر الأمر أن يطلب التنحي والاستقالة.
 
- وأذكر بهذه المناسبة أن الشخص الَّذي استدعاني لصوت الحجاز هو الشخص الَّذي استدعاني لترك صوت الحجاز والعمل في وزارة المالية، وبهذه المناسبة أذكر - وبجانبي أخي الأستاذ السيد حسن كتبي - أننا كنا في قلم التحرير جماعة من الأدباء الَّذين كان لهم حاضر يدل على مستقبل كبير مرموق، وهكذا كان ما أردت فكنا جماعة؛ وكان أخي الأستاذ حسن كتبي والأستاذ أحمد قنديل (الله يرحمه) والأستاذ محمد حسين زيدان (يرحمه الله) والأستاذ حامد كعكي (يرحمه الله) ثم انضم إلينا الأستاذ عبد الله عريف (يرحمه الله) فكنا في أكثر الأحيان نقوم بعملنا خير قيام؛ وفي أوقات الفراغ كأننا في ناد أدبي، وكان مكتب السيد حسن كتبي والسيد أحمد قنديل إلى جانبي، ومكتب الأستاذ الزيدان وحامد كعكي أمامي، فرأوني مرةً ساهماً.. شارداً.. وكان عندي تفكير في قصيدة، وأنا عادةً عندما أفكر في قصيدة أكون منفصلاً عن حياتي الموجودة، ثم رأيتهم يتهامسون، فقال لي أحدهم ما عدت أذكر من هو الآن الأستاذ الكتبي أو الأستاذ القنديل، قم واذهب إلى بيتك ونحن نقوم بالعمل نيابةً عنك (إن شاء الله). فتوكلت على الله وتوجهت إلى البيت.
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
ووجه سؤال لمعالي السيد حسن كتبي من الأستاذ عبد الغني الأهدل نصه:
- كم كان ثمن صوت الحجاز؟ وأين تباع؟ ومن ممولها؟ وكم عدد النسخ التي يتم طبعها في ذلك الوقت؟ ومن يحصل عليها؟ وما هي نسبة المتعلمين في المجتمع المكي؟
وأجاب معاليه قائلاً:
- أرجو أن نبدأ من السؤال الأخير، نسبة المتعلمين في ذلك الوقت نسبة في الحقيقة محدودة جداً، ولا أريد أن أخلط كل المتعلمين في سلك واحد، لأن هناك متعلمين مثقفين كانوا على مستويات عالية جداً، وهؤلاء كانوا مشتغلون بالوظائف الحكومية في أغلب الشؤون، لأنه كانت تقوم عليهم أعمال الدولة، وكان هناك متعلمون يقومون بعمل أساتذة في المدارس أو طلبة علم، وهؤلاء يشتغلون بالثقافة الدينية؛ وكان مجتمعاً يسوده الروح الدينية نتيجة الثقافة الدينية التي يتم التركيز عليها في مدارس المملكة؛ المتعلمون الَّذين كانوا يديرون الحياة كانوا أقلية جداً جداً، ولكنهم كانوا على قدر كبير من فهم مسئولياتهم وتحملها وأدائها خير أداء، ولا يمكن أن نذكر إحصائية عدديّة عن المتعلمين على هذا المستوى أو المتعلمين على هذا المستوى، لكن نسبة التعليم في ذلك الوقت لا يمكن أن تلتقي في العصر الَّذي نعيش فيه منذ عشر سنوات أو أكثر.
 
- أنا أستطيع أن أقول: كان التعليم في المملكة العربية السعودية إلى عهد السيد الطاهر الدباغ (رحمهُ الله) كان تعليماً شكلياً؛ ثم تولى الأمير فهد - الَّذي هو الآن ملك البلاد وسيدها - وزارة المعارف، فتحول نشاط التعليم إلى شكل هائل جداً لا يلتقي إلى قوة الدفع فيه عما كان من قبل أن يتولى وزارة التعليم؛ ففكرة الجامعات ومتخرجي الجامعات والبحوث العلمية، هذه كلها كانت حلم من الأحلام، أما الآن فالتعليم الموجود في المملكة تعليم يضاهي أرقى البلاد العربية، بل أعتقد أن التعليم عندنا في بلادنا يعطي حصاده أفضل ما يكون مما يؤدى في البلاد العربية الأخرى، لأن هنا فيه التزام أخلاقي وديني وسلوكي يجعل المتعلمين متقيدين به، ولذلك يأتي أداؤه أفضل مما يؤديه الآخرون.
- أما فيما يتعلق بسعر صوت الحجاز وعدد ما يطبع منها، أعتقد أنني كنت بعيداً كل البعد عن معرفة أي شيء عنه من قبل، وما كنت أتوقع في يوم من الأيام أن يوجه إليَّ سؤال كهذا، وأرجو أن يكون جوابي عن نسبة المتعلمين ووصفهم يغني عن الإجابة عن بقية الأسئلة، ويمكن أخي السيد محمد حسن فقي أن يجيب إذا كان يعرف أكثر مما أعرف.
 
وعلق السيد محمد حسن فقي فقال:
- والله الَّذي أذكره أن صوت الحجاز كانت تباع بقرش، هذا الَّذي أذكره، ولكن القرش كان ذا وزن كبير، يعادل ريالاً أو أكثر، والعدد كان ضئيلاً بالنسبة للقراء والمجتمع؛ لكن الصحف رغم تطورها وازدهارها لا تطبع العدد اللائق بهذا التطور، فالصحف على مستوى رفيع، لكنها مع الأسف لا تطبع عشر ما تطبعه بعض الصحف في البلدان العربية الشقيقة وهذا مؤسف جداً.
 
ثم وجه الأستاذ محمد عبد الواحد السؤال التالي للأستاذ محمد حسن فقي فقال:
- سيدي أستاذ الأجيال محمد حسن فقي، عندما قابلتك قبل ثلاثين عاماً في صيدلية سلامة في شارع الملك فيصل، شاهدت يومها عند صديقك صاحب الصيدلية أكياساً من الشعر لك، لو تم طبعها َلأَثْرَتْ حياتنا الأدبية، ولأصبحت لدينا ثروة يمكن أن نفاخر بها في كل المحافل الأدبية، سؤالي أين ذهب ذلك الشعر العظيم؟
وأجاب السيد محمد حسن فقي قائلا:
- الحقيقة: إنني أشكر الأستاذ عبد الواحد، فقد ألبسني ثوباً فضفاضاً أوسع من حجمي، والحقيقة إنني لا زلت أذكر تلك الأيام الجملية التي كنا نجتمع فيها في صيدلية الأخ نور سلامة، وقد ذكرني سؤال الأخ عبد الواحد بشيء جليل قد لا يعرفه كثير من الناس فأحب أن أذكره الآن.
- قبل سنة أو عشرة شهور جاءني عامل الحديقة في الدار وهو باكستاني الجنسية، وقال لي: إني وجدت كرتوناً فيه أوراق كثيرة، فهل أحضره لتراه إن كنت في حاجة إليه؟ فقلت له: أحضره حتى أراه، فلما أحضره وجدت فيه أكثر من عشرين مظروفاً كلها ممتلئة بقصائد ورباعيات كثيرة، القصائد تكاد تبلغ خمسمائة أو تزيد، والرباعيات قد تزيد على ألف، وقد شاهد أخي الأستاذ محمد صلاح الدين هذا الكرتون، والحقيقة إنني فرحت بهذا الكرتون فرحاً شديداً، والحق أنني لو وجدته مملوءاً ذهباً لما فرحت به فرحي هذا، وكثير من هذه القصائد التي ترونها هي من هذا الكرتون.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1021  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.