شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشدة التي كان يلاقيها أهل مكة (1)
للسيول أضرار كبيرة على مجاري العيون التي تصل مكة، وهذا يرجع لكون مجاري العيون تقع على طريق السيول وقد قضت الضرورة الطبيعية بهذا الوضع، وقد عملت بعض سدود وعقبات لرد هجمات السيول التي تهدد المجاري من حين إلى آخر. إلا أنها ليست من القوة والمتانة بحيث تصادم سيول تلك الوديان فهي أشبه باتقاء مؤقت ولهذا كانت أضرار السيول سلسلة متصلة حلقاتها ببعض وقد بقيت وستبقى تهدد مجاري العيون إن لم يوضع لها حد فاصل. وأمر كهذا كانت تلاقي منه الأمة الأمرين، ويخجلني أن أقول إن بعض الذين أعمتهم مصلحتهم الشخصية عن كل شيء كانوا يستغلون مثل تلك الفرص فيحتكرون المياه لجمع الثروة من ورائها. وربما سعوا بأنفسهم فأحدثوا في المجاري خللاً من الصعب تداركه في مدة يسيرة. زد على ذلك أن الخمول والجمود والاستكانة وحب الاتكال على الغير ـ الذي كان مستولياً على الوطن العزيز ـ كان له أثر قوي في استمرار الحالة بشكل بعيد عن العدل والإنصاف والعطف إن كان بالوطني الفقير أو بالوافدين. يؤلمني ويخجلني معاً أن أنقل ما ذكره صاحب إتحاف فضلاء الزمن من مساعي الوزراء لدى الأمراء والأشراف في هذا الوطن الذي ما زال يئن من شرهم إذ هو يقول في حوادث سنة 825 هـ ما يلي: وفي هذه السنة حصل بعض خراب في عين عرفة فأشار سيدي الشيخ عمر العرابي نفعنا الله به على الشريف حسين بعمارة ذلك فأعطاه لذلك خمسين ألف درهم وصرفها في ذلك فخلصت ولم توفِ العمارة فعرف الشريف فزاده خمسين ألفاً أيضاً وأقام على ذلك الصرف نائبه جابر الحراشي، فقال له الحراشي ملوك الآفاق أقوى منك وإذا علم بذلك صاحب مصر نسبك إلى كثرة الأموال وطمع فيك فاستعاد الدراهم فأرسل يقول له الشيخ العرابي إن لم توفِ لنا وإلا أجمع من أهل الخير ما أتم به عمارتها فأجابه الشريف بأن غيرنا أقوى منا.
يفعل هذا أمير مكة ويصغي لقول نائبه ولم يهتم لهذا الوطن ومن فيه في الوقت الذي كان يتقاضى رسماً من الفواكه والخضراوات يقدر بخمسمائة ألف قرش ـ إنها لحادثة مخجلة وذكرها أخجل منها، ولكن ما العمل وهي حقيقة لا مناص من سردها وليس من العدل ولا من الإنصاف إخفاؤها وعدم إلقاء التبعة على أصحابها.
قلنا إن للسيول أضراراً كثيرة وإن انقطاع المياه كان كثير الحوادث بسببها، وإن سكان مكة كانوا يلاقون الصعاب من جراء ذلك. يقول القطبي.. قطعت العيون وتهدمت قنواتها وانقطعت عين حنين عن مكة المشرفة وصار أهل البلاد يستقون من آبار حول مكة ومن آبار يقال لها العسيلات في علو مكة قريب من المنحنى ومن آبار في أسفل مكة قريب من مكان يقال له الزاهر ويسمى الآن الجوخي في طريق التنعيم وكان الماء غالياً وقليل الوجود وكذلك انقطعت عين عرفات وتهدمت قنواتها وكان الحجاج يوم عرفة لا يطلبون شيئاً غير الماء لعزته، ولا يطلبون الزاد بما جلبت لبعض من الأماكن البعيدة للبيع فيحصلون أموالاً من ذلك لغلو ثمنه. وإني أذكر أن في سنة 930 هـ قل الماء في الآبار.
عبيد العيون: (2)
توالي نكبات السيول على مجاري عيون مكة، وعدم وضع حد فاصل لويلاتها سبب لأهالي مكة مقاساة تلك الآلام التي أتينا على وصفها في العدد الفائت.. ولقد كانت الفوضى والثورات الداخلية ومنازعات الأشراف بعضهم لبعض من أجل الإمارة عقبة كؤوداً. دون القيام بإصلاح ذي قيمة في ما لو وجد من يتطوّع به، ولذا فالحياة العمرانية في الحجاز كانت أشبه بالمحرمة عليه، فأخذ رونقه يتقلص رويداً رويداً حتى أصبح خالياً من كل شيء. وليس هذا مكان بحث الأسباب التي قضت بالسير به في هذا الوضع الشاذ وإنما أكتفي هنا بأن أقول بأن السياسة هي التي كانت تمثل تلك الأدوار في هذا الوطن العزيز في غير رحمة ولا شفقة.
قيّض الله لهذا الوطن في العقد الرابع من القرن العاشر مصلح الدين مصطفى وهو من مجاوري مكة فعيّن ناظراً لتعمير عين حنين بسبب خراب طرأ عليها، ثم توجه إلى الآستانة لعرض بعض إصلاحات لاحظ أن من الضروري إدخالها في العيون فوفق في مهمته وأسندت إليه نظارة أمر عيون مكة. ولكن الحظ المنكود كان ملازماً لهذا الوطن فقدر ربك أن يغرق صاحبنا في بحر القلزم أثناء عودته إلى الحجاز، وهكذا ذهبت أحلام ذلك المصلح معه في ذلك البحر العظيم.
ومما يعطينا دليلاً على عظم ما كان يومئ إليه أنه وفق في عام 921 هـ فاشترى من خزينة الدولة عبيداً لخدمة العين، كي يقوموا بأمر تنظيفها ومراقبتها، وهذا الإصلاح يشف لنا عن المرامي البعيدة التي كان ينوي تحقيقها لو لم تعاجله المنية، يقول القطبي ((ثم اشترى ناظر العين (مصلح الدين مصطفى) عبيداً سوداً من مال السلطنة وجعل لها جرايات وعلوقات من خزائن السلطنة الشريفة برسم خدمة العين، ولإخراج أتربتها من الدبول (جمع دبل وهو الجدول) والقنوات وهذه خدمتهم دائماً وصاروا يتوالدون وهم باقون إلى الآن طبقة بعد طبقة لهذه الخدمة، وقد ذكر السنجاري وصاحب الإتحاف نفس هذه الرواية وزاد عليها: وزوجهم (أي مصلح الدين) بجوار سود اشتراهن من مال السلطنة وذكر إبراهيم رفعت باشا وغيره من مؤرخي مكة هذه الرواية وكل واحد منهم كان يذكر ((وهم باقون إلى الآن)) أي إلى زمنه ما عدا إبراهيم رفعت باشا فإنه أغفل هذه الجملة كما أغفل التعليق عليها ولم يذكر أحد من المؤرخين عددهم ولا مقدار المبالغ التي أنفقت على ذلك فكانت هذه الحلقة من تلك السلسلة التاريخية مفقودة كذلك لم يصل إلينا ماذا انتهى إليه أمر أولئك العبيد ولم يذكره مؤرخو مكة المتأخرون.
الجمعيات الخيرية (3) :
لقد كان أواخر القرن الثالث عشر للعيون بمكة تاريخاً فاصلاً بين عهدين يختلف كل منهما عن سابقه في المرامي والغايات، فبعد أن كانت الفوضى تكتنف أمر العيون، وبعد أن كان أمر إصلاحها والإشراف عليها في يد القدر وتحت حسنة المحسنين تبدلت الحال غير الحال فدخلت في أواخر القرن الثالث عشر عهداً جديداً من الواجب أن نقدر لأصحابه الجهود التي بذلت في أمر تحسين العيون، وإنها لجهود ومساعٍ تذكر فيشكر أصحابها. ليس معنى هذا غمط الذين قاموا بأمر إصلاح العيون في الزمن السابق حسناتهم، لا، بل ما تفضلوا به من إحسان، وما ضحوا به من أموال ابتغاء مرضاة الله قد حفظه لهم التاريخ ولولا خشية الإطالة لأتيت ذكره بالتفصيل.
أول جمعية خيرية:
في أواخر عام 1292 حصل خراب في العيون فاجتمع علماء مكة وتباحثوا في الأمر فقرّ رأيهم على جمع الإعانات لإصلاح الخراب فاجتمعوا بأمير مكة وقتذاك الشريف عبد الله باشا وعرضوا عليه الأمر فوافقهم، وبدأوا في جمع الإعانات فوفقوا إلى جمع ما أمكنهم به إصلاح الخراب، ثم لاحظوا أن الأمر عظيم ويحتاج إلى مبالغ طائلة، ودبّ فيهم الوهن فتوقفوا عن العمل، فكانت هذه أول جمعية خيرية تطوّعت لهذا العمل دون رخصة رسمية ولقد أغفل صاحب مرآة الحرمين خبر هذه الجمعية وذكرها صاحب بغية الراغبين ص 24.
جمعية وحدانة:
نسبة إلى المرحوم الحاج عبد الواحد الميمني الشهير بوحدانة وهبي وهي أول جمعية خيرية استحصلت على رخصة رسمية للنظر في أمر العيون والإشراف عليها وقد لاقى الحاج وحدانة صعوبات جمّة في الاستحصال على رخصة العمل. قال أمير مكة الشريف حسين محمد بن عبد المعين لوحدانة حيث إن الحكومة العثمانية مرتبة سنوياً ألف جنيه عثماني لعين زبيدة فربما أنها لا تأذن لأحد بالمداخلة في هذا العمل، وأن الأمر يحتاج إلى فكر وتروٍّ ومذاكرة مع الولاية أ هـ ص 24 ـ 25.
وبعد مذاكرات مع الوالي ناشد باشا، وتمهيدات بها بالوساطة اتفق رأي أمير مكة والوالي على الاستئذان من الباب العالي، ففعلا ورخص لها عام 1295 هـ بالعمل على أن تكون اللجنة مؤلفة من الأشراف والأهالي والمجاورين، وبالفعل تألفت اللجنة على ذلك الشكل برئاسة عبد الرحمن سراج، وعهد للحاج وحدانة برئاسة العمل والتنظيم وأمانة الصندوق وسنَّت اللجنة لنفسها نظاماً صودق عليه من الحكومة، وكان من أهم مواده أن الجمعية خيرية محضة وأن العمل لا يكون إلا بعد قرار منها وأن الحكومة لا تتداخل في أعمالهم بل تساعدهم أدبياً إذا اقتضى الأمر.
وهكذا فقد بدأت أعمال هذه الجمعية في جو من الحرية التامة، وافتتح أمير مكة الاكتتاب بسبعمائة وخمسين ريالاً مجيدياً وأعقبه الوالي بمائتين وخمسين ريالاً مجيدياً، ونشطت اللجنة للعمل، ونشرت بمختلف اللغات على الصحف السيارة وعمت الدعوة الأقطار الإسلامية فوزعت أموالاً ومبالغ طائلة، وبدأوا العمل بجد عظيم فتقدموا نحو منابع عيون مكة، ونظفوا مجاريها وعملوا قنوات في بعض الأماكن، وفتحوا خرزات عديدة فتم في عهدها إصلاحات عظيمة جدًّا منها إدخالهم ماء عين عرفة إلى منى بواسطة آلة تجارية رافعة وضعوها في أعلى الطريق الموصل إلى المكان المعروف اليوم بالمفجر.
وقد نحتوا من أجل ذلك بعض الجبال كما أنهم بنوا بداخل مكة أحد عشر بازاناً بالأماكن الآتية: 1 ـ شعب عامر. 2 ـ سوق الليل. 3 ـ القشاشية. 4 ـ أجياد. 5 ـ 6 ـ المسفلة. 7 ـ حارة الباب. 8 ـ الشبيكة. 9 ـ الشامية. 10 ـ سوق المعلا. 11 ـ جرول.
استقالت جمعية وحدانة على أثر الأسباب التي ذكرناها في مقالنا السابق إلا أن السلطة الحجازية وقتذاك فهمت جيداً أن المصلحة تقضي بإنشاء جمعية أخرى تخلف جمعية وحدانة لعاملين اثنين أولاً، لتدرأ عنها السخط الشديد الذي سيوجه إليها من العالم الإسلامي لتلاعبها بأموال جمعية خيرية، وثانياً لأن الشدة التي يقاسيها الأهلون والحجاج من جراء قلّة المياه كانت تقضي بأن يتولى أمر المياه أناس يتعهّد منها بالتحسين والإصلاح ليخف عسر المياه، بهذه الأسباب لم تكد السلطة الحجازية وقتذاك تعفي جمعية وحدانة من العمل حتى شرعت في تأليف جمعية أخرى تخلفها عهدت برئاستها للشريف حسين بن نمي وعهدت برئاسة أمر العمل لصادق بك فاشتغل مدة ثم خلفه المعلم علي الشقيري ثم حبحب، وقد كانت وضعية هذه الجمعيات تقضي بأن يكون واردها ضعيفاً إذ إن الضجة التي أحدثتها استقالة جمعية وحدانة أعدمت الثقة بالجمعيات التي خلفتها فكان مركزها الاجتماعي ضعيفاً ونفوذها الأدبي أضعف وأقطعت أكثر الإعانات التي كانت ترد من البلاد الإسلامية، وجميع الإعانات التي كانت ترد من البلاد الهندية وبطبيعة الحال فإن ضعف وارداتها أثر في تمويلها فإذا هي أحوالها تسير من سيّىء إلى أسوأ، وكانت الأزمة المالية الشديدة الواقعة فيها تعجل في القضاء على كل جمعية فكانت كلما تدهورت جمعية حلّت أخرى محلها، ثم لا تلبث حتى تلحق بها، وكان ضعف الجمعيات نفسها هو بعينه ضعف أعمالها، أضف إلى ذلك قلة الأمطار. كل هذه العوامل قوّت من استحكام الشدة في المياه فعانت هذه البلدة الطاهرة العزيزة في سنة 1323 ـ 1324 شدائد تمزّق الكبد.
جمعية الشريف علي باشا:
بدأ النقص الظاهري في المياه في سنة 1324 هـ فقلّت المياه، وقد لاحظ الشريف علي باشا أمير مكة وقتذاك تلك الحالة فلم ير بدًّا من جمع الإعانات بطرق جبرية فشكّل لذلك جمعية برئاسته وجعل لها فرعاً في الطائف وآخر في جدة ففرضت على الأهلين إعانات جبرية وكتب إلى الآستانة بطلب جمع الإعانات من البلدان الإسلامية فكان لعملها هذا أثر قوي واجتمع لديها ما يقرب من ستة وأربعين ألف جنيه.
يقول صاحب بغية الراغبين.. وقد حصل النقص الظاهر في سنة 1322 هـ في عين زبيدة من جهة وادي نعمان وانقطع من جهة وادي حنين إلى أن قال: ثم اشتد الحال وقلّ ماء العين في سنة 1324 هـ وكان أمير مكة ذلك الوقت دولة الشريف علي باشا فأمر بتشكيل قومسيون تحت رئاسته بمكة وقومسيون بالطائف وجمعوا إعانات جبرية من مكة وجدة والطائف وكتبوا إلى الآستانة العليا بطلب إعانة لعين زبيدة من جميع الولايات واجتمع بالآستانة العليا نحو ستة وثلاثين ألف جنيه.
هذه الجمعية سارت على حذو جمعية وحدانة في العمل واشتغلت بجد عظيم فأنشأت في مكة مجرى من القصر المشنشن إلى القسم الذي هو الآن أمام الخارج من باب الزيادة قاصد بازان الشامية فوق دكة مكة كانت تؤجر في السابق على صراف وإحداث بعض خزانات في المجرى العمومي لعين عرفة وأنشأت في مكة خرزة هي بين القرارة والشامية.
جمعية الزواوي الأولى:
ولما أسند أمر مكة إلى المرحوم الحسين بن علي في 5/10/1326 هـ شكّل بعد الاتفاق مع الوالي كاظم باشا لجنة كبيرة كان قوامها ثلاثين عضواً، وعهد برئاستها للمرحوم السيد عبد الله الزواوي (صاحب رسالة بغية الراغبين) ومنحها حرية تامة وتصرفاً مطلقاً، وكان ذلك في أوائل شهر محرم سنة 1327 هـ، وبعد مضي مدة أسند منصب ولاية مكة لفؤاد باشا فتداخل في أمرها واستولى على صندوق العين، وعيّن رئيساً آخر للجمعية سقط عندما بدأ نفوذ فؤاد باشا يضمحل بعد توليته بمدة بسيطة وانتهى أمره بسقوطه من الولاية في أواخر شوال سنة 1327 هـ فعاد الزواوي إلى رئاسة الجمعية، وعند ذلك نشطت جمعيته للعمل.
أعمال الشيخ خليفة النبهاني:
ولقد اعتنت جمعية الزواوي بعين حنين، فتوفقت بواسطة الشيخ خليفة النبهاني إلى اكتشاف عدة دبول وعيون هناك. يقول صاحب بغية الراغبين:
((واستحسنت هيئة اللجنة عند أول شروعها في الأعمال تبريح طريق دبل الزعفرانة فعيّنوا من يعتقدون صدقه وأمانته وهو الشيخ خليفة بن نبهان على شغل العين عن جهة حنين وأرسلوا العمال والصنّاع واستمر عمله إلى آخر سنة 1328 هـ إلى أن قال، فجرى عمل الشيخ خليفة ومن معه بهمة عظيمة ووجدوا في أعمالهم عدة دبول لعدة عيون وشحاحيذ مبنية بالبناء الملوكي والكل مدفون بالأتربة وقد قطعتها السيول فبرحوا وعمروا منها في هذا العمل وهذه المدة القصيرة ثلاثة دبول: دبل الزعفرانة، ودبل المعيصم، ودبل ثقبة.
قلة الواردات وتأثيرها:
الحقيقة أن جمعية الزواوي بذلت جهوداً لا بأس بها، وأنشأت بعض المؤسسات لاستغلالها ساعدتها بعض الشيء وبنت الدار التي بعلو بازان المسعى وجعلتها مقرًّا لأعمالها الكتابية والإدارية ولا تزال كذلك حتى الآن، وجددت تعمير بستانها الكائن بمحلة جرول وهو معروف اليوم ببستان البلدية وأنشأت في قسم منه داراً كبيرة ثم خربت فجدد عمارتها محمد علي باشا عام محاربته لآل سعود وقد تخربت آبار الطائف في وصف كرا منها قولهم: ((صعود كرا يحرم من الكرى)) تلخيصاً عن كتاب ما رأيت وما سمعت.
نعمان هذا هو المعروف بنعمان الأراك وهو وادٍ فسيح يقول فيه الشاعر:
ألا أيها الركب اليمانيون عرّجوا
علينا فقد أضحى هوانا يمانيا
نسائلكم هل سال نعمان بعدنا
وحب إلينا بطن نعمان واديا
عهدنا به صيداً كثيراً ومشرباً
به نفتح القلب الذي كان صاديا
ونعمان هذا هو الذي جاء في شعر شاعر زينب إذ يقول:
تضوّع مسكاً بطن نعمان إن مشت
به زينب في نسوة عطرات
وهي قصيدة مشهورة:
هذان الجبلان هما المعنيان في قول الشاعر:
أيا جبلي نعمان باللَّه خليا
نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها
قال البشاري: ((عرفة قرية فيها مزارع وخضر وبطيخ وبها دور حسنة لأهل مكة ينزلون يوم عرفة)) أقول القصور هدمت ولم يبق منها قصر قائم، أما آثار بعضها فباقية حتى يومنا هذا في أعلى السوق المعروفة بالقرين وتوجد آثار قصر على أكمة تطل على السوق المعروفة بسوق جدة ويسمى مكانه اليوم عند أهل مكة ((بالخرابة)) أما المزارع حول عرفة فموجودة، ولكن لا أعلم هل هي تلك التي أشار إليها البشاري أم غيرها، وحدّ عرفة كما يقول ياقوت وهو قول أكثر الأئمة: ((من الجبل المشرف على بطن عرفة إلى جبال عرفة جاء في مرآة الحرمين 207 م ما يلي: ((وهذه القناة عرضها من الأعلى متر وقد يزيد وفراغها من 50 إلى 60 سنتميتراً وعمقها متر ونصف وارتفاع الماء في قاعها 70 سنتيمتراً وقد يزيد وقد ينقص، أقول هذا وهو الوضع الحاضر لا الوضع القديم، والوضع الحاضر هو من صنع جمعية وحدانة عام 1296 ـ 1297 وسيأتي ذلك.
هذا الجبل اسمه (ألال) بفتح الهمز واللام على وزن حمام. وروي ((إلال)) بكسر الهمزة على وزن بلال والفتح أصحّ على قول ياقوت وسمّي (ألالا) لأن الحجيج أدرأوه أي اجتهدوا ليدركوا الموقف، ويقول صاحب مرآة الحرمين، إن ارتفاعه قريب من 30 متراً وطوله 300 متر ويصعد إليه بمدارج كبيرة 91 درجة يختلف ارتفاع الواحدة منها من عشر المتر إلى ثلاثة أعشاره.
ذكر السنجاري في حوادث عام 853 هـ أن بيرم خوجه عمّر برك عرفات التي كانت مدفونة، وقال القطبي: ((وعمّر ناظر الحرم الشريف بيرم خوجه عدة برك في عرفة كانت دائرة مملوءة بالتراب، فأخرج ترابها وأصلحها وساق إليها الماء من الآبار التي بقربها ليشرب الحجاج منها)): أقول وسبب ملئها من الآبار هو أن عين نعمان انقطعت بسبب خرابها وبقيت كذلك من عام 724 هـ إلى عام 874 هـ أي مائة وخمسين سنة. وأصلح البرك السلطان الأشرف قايتباي المحمودي الظاهري في عام 874 هـ حينما أصلح عين نعمان ولعلّ هذه هي البرك التي صنعتها زبيدة.
عمل زبيدة:
لم يذكر التاريخ أن أحداً اعتنى بأمر المياه في مكة كما اعتنت بها السيدة زبيدة فقد كانت مغرمة بذلك غراماً شديداً فبعد أن انتهت من مشروع جر مياه عين حنين إلى مكة التفتت إلى جر مياه عين نعمان، وبعض المؤرخين يقولون عين عرفات، فالذين ينسبونها إلى نعمان هو لكون أقصى خرزة للعين هي في نعمان والذين ينسبونها إلى عرفات هو لكونها كانت مقتصرة على عرفات.
وهذه العين تنبع من ذيل جبل كرا وتنحدر إلى مكان يسمى الأوجر من نعمان قال القطبي: في تاريخه: يجري أي الماء إلى موضع بئر جبلين شاهقين في علو أرض عرفات، فعملت القنوات إلى أن جرى ماء عين نعمان إلى أرض عرفة ثم أديرت القناة بجبل الرحمة محل للوقف الشريف الأعظم في الحج وجعل منها الطريق إلى البرك التي في أرض عرفات فتمتلئ ماء يشرب منه الحجاج في يوم عرفة، ثم استمر عمل القناة إلى أن جرت من أرض عرفات إلى خلف جبل وراء المأزمين على يسار العابر عرفات ويقال له طريق (ضب) وتسمى الآن (أي في زمن القطبي) عند أهل مكة المظلمة بضم الميم وتسكين الظاء وكسر اللام، ثم نصل منها إلى مزدلفة ثم تصل إلى جبل خلف منى حيث تنصب إلى بئر عظيمة مطوية بأحجار كبيرة جداً تسمى بئر زبيدة إليها ينتهي عمل هذه القناة وهي من الأبنية المهولة.
محل انتهاء عمل زبيدة:
إلى هذا الحد انتهى عمل السيدة زبيدة وقد أغفل المؤرخون المعاصرون ومن خلفهم السبب الرئيسي في ذلك وقد تبيّن في ما بعد أن السيدة زبيدة لم تقف عند هذا الحد وهي مكرهة عليه. وهذا ظهر عندما اعتزمت الدولة العثمانية إصلاح عين النعمان وإيصالها إلى مكة فقد كان يظن أن مجاري هذه العين إلى مكة موجودة وأنها دفنت، ولكن بعد الشروع في العمل تبين أن ما ذهبوا إليه لم يكن إلا وهماً وتأكدوا من أن عمل السيدة زبيدة لم يتعد البئر المذكورة، قال القطبي: ((واستمر هذا الجهد والاجتهاد (أي من الأمير إبراهيم بن تكرين المفوض من قبل فاطمة هانم كريمة السلطان سليمان بن خالد المتبرعة بالعمارة المذكورة وسيأتي ذلك) إلى أن اتصل عمله بعمل زبيدة إلى البئر التي انتهى عملها إليها، ولم يوجد بعده دبل ولا آثار عمل وضاق ذرعه بذلك وعلم أن الخطب كبير والعمل كثير وتحقق من أن القدر الباقي من هذا العمل إنما تركته زبيدة اضطراراً بغير اختيار وعدلت عنه إلى عين حنين هكذا وتركت العمل من عنده لصلابة الحجر وصعوبة إمكان قطعه)).
نستغرب قول القطبي ((وعدلت عنه إلى عين حنين)) إذ قد أجمع المؤرخون على أن السيدة زبيدة بدأت في مشروع جر المياه من حنين، ثم نعمان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1094  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 15 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج