شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ عبد الفتاح أبي مدين ))
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ عبد الفتاح أبي مدين - رئيس النادي الأدبي بجدة - فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم..
- والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:
 
- فهذه كلمة أحببت إلقاءها في هذه الليلة السعيدة، احتفاء بالشاعر الرقيق يحيى توفيق، وعنوانها:
في ركاب الشعر
الشعر الوجداني، تميل إليه النفس، وتطرب منه، ويحرك المشاعر؛ لا سيما الشعر العفيف.. غير المبتذل، وغير المسف.
- والشعر الحجازي عبر التاريخ الطويل.. أكثره غزل، لأن تربته غزلة، فهو رقيق من نفوس رقاق.
- وبالأمس كنت أتابع ندوة من تلفاز: "دبي" عن الشاعر "الشريف الرضي" وهي ندوة ملأى بالمتابعة والدرس لتاريخ هذا الشاعر وحياته وشعره، ومثل هذه الندوة فيها إثراء للأدب وتاريخه والعناية به.
 
- وتوقف المنتدون على "حجازيات" الشريف الرضي، وهي قصائد عدة يتحدث فيها عن الحجاز بشعر غزل، ومهما كان هدف الشاعر وتفسير شعره ورمزيته، فهو شعر غزل في ظاهره ومحتواه، خليق بالقراءة والتأمل وبين يدي ديوان شعر.. رقيق أنيق، لأخ كريم عزيز غال وفي؛ عنوانه: "حبيبتي أنت".
 
- ولعل شاعرنا قرأ كثيراً.. الشريف الرضي، وتأتي مناسبة ندوة تلفاز دبي مع التهيؤ للحديث عن ديوان أكثر شعره غزل رقيق، وفيه نفثات شكوى وحنين وبوح ووجد؛ والشاعر - أي شاعر - معاناته في تعبيره، لأنه مما يجد من حرمان، وهو ذو آمال وتطلعات ووله، ولعل متعة العذاب - إن صح أنَّ في العذاب متعة - فهي في هذا الحرمان، الَّذي يفضي إلى حنين وضجر وشكوى، ترتفع أحياناً.. وعند بعض الشعراء إلى "المرارة".
 
- وشاعرنا الأستاذ يحيى توفيق، اختار الغزل وانساح معه، لأنه رقيق كشعره، والعاطفة المتقدة تجنح إلى هذا التوجه والانسياب.. مع هذا اللون من القريض، لأنَّ فيه سلوى واستمتاعاً وميولاً، فهو شاعر غنائي، ولا يكون إلاَّ غزلاً؛ يتشبب بالمرأة ومفاتنها وجمالها ودلالها، وهي التي يطربها الثناء (1) .. كما يطرب غيرها.
- ولا يعني هذا أنَّ شعر شاعرنا كله غزل، وإنما أكثر شعره اهتم بهذا الجانب الَّذي كما قلت تميل إليه النفوس وتطرب له، وقد توارثته وألفته عبر أزمان طوال؛ ولشاعرنا مشاركات في الوطنيات، وقضايا الأمة الإِسلامية وآلامها.
- وهذا الديوان الَّذي بين يدي تاه، ولعل من طبع هذا اللون من الشعر أن يتيه ويتوه، لأنه خليق بذلك فقد اختفى.. لعل بين أوراق مبعثرة لأخي الدكتور عبد المحسن القحطاني، ستة أشهر.. مكث عنده، ولعله عثر عليه مصادفة ليأتيني به، معتذراً عن تأخير وصوله إليَّ، ففرحت به واحتفيت احتفائي بصاحبه، وهو أخ عزيز كريم وفي.
- وقرأت الديوان في التربة الغزلة - كما يسميها أستاذنا الزيدان.. رحمه الله - وطربت منه، ووقفت على قصائده أتأملها، وأتأمل شاعرنا الولهان، الحفي، الفرح، النشوان، المحلق في أودية الجمال، والشاكي، لأنه حساس ورقيق، يدميه الهجر، ويرهقه الدلال، ويضيق ذرعاً بالحرمان، وهو من طبع الحياة، ولكننا مع شاعر لا يحتمل القسوة والبعد، فيضج بالشكوى، فيكون منه البوح، لأنه مغرد كالطائر، يغني إذا انتشى، ويحزن إذا أصابه شيء من مكروه، وإن كان في ميزان من يعيش الحياة ليس جديداً ولا طارئاً؛ ولكن عند الشاعر الرقيق المرهف.. أهوال وآلام وأحزان؛ وهذه الحال.. هي التي تعطينا تلك الأحاسيس، في أطباق ذهبية، تحوي الورود والرياحين والأشواك معاً، فنقرأ شعراً جميلاً أخاذاً يطربنا، ويشعرنا بجمال الحياة التي أثقلتها الهموم والآلام؛ وحين نجد شعراً وجدانياً غزلاً، نفرغ إليه ساعة من نهار أو ليل، ينقلنا إلى شيء من راحة نحن في حاجة إليها ملحة، لأنَّ أثقال الحياة أوهنت كواهلنا، فليس بد من ظل دوحة نتفيأ تحتها، لنخفف من آلامنا وأثقالنا؛ والشعر الرقيق.. سلوة من تلك الأثقال والمتاعب، والحياة كلها تعب.. كما يقول شيخ المعرة (2) .
- عشت مع شاعرنا سويعات عبر ديوانه الجميل، مع الحب والغزل، والتحليق معه حيث يسبح ويسرح..، حين ينعم ويصور ويتحدث، وحين يتبرم ويشكو، ويتذكر الشباب وانسلاخ أيامه؛ ودوران الأيام من فقر إلى غنى، ومن حال إلى حال.. من سنن الله في كونه وملكه؛ ولعل المستمع يقول: وأين هذا الشعر الَّذي نتحدث عنه؟ لماذا لا تنقل إلينا نماذج منه؟..، وأكثرنا لم يقرأه حين كان ينشر في الصحف السيارة؟ وهذا طلب مقبول ومرغوب، لكن الليلة للشاعر، فهو أحق بقراءة شعره، ليطربنا ويشجينا، فنعيش معه لحظات نسبح في خيال وحلم الشعراء الرومانسيين الحيارى.
- وبعد:
لو كان الوقت يحتمل المزيد.. لمضيت في هذه الوقفة مع شاعر وشعر، أحلق معه حيث تطير جناحا خياله وهواه وشوقه وهيامه؛ يسبح بها في فضاء رحيب، ويغدو بعيداً، ثم يعود إلى أرضه وحياته وواقعه، فيصحو من سبحه وتحليقه ونومه وأحلامه، ويلمس بحسه ما حوله، فتستيقظ مشاعره، ويلامس دنياه… فتأخذه الدهشة، لأنه كان في حلم كأحلام شهرزاد؛ وهكذا الشعر النابض "حلم" ولكن هذا الحلم لا يدوم، وإنما يوازيه - أو يعقبه - وتخالطه صحوة - أو قل صدمة - فيذهب السبات العميق، ويجيء صحو بضوئه وصخبه وعجه، فيبدد الحلم والنوم المعسول؛ وتلك هي الحياة، وأولئك هم الأحياء فيها، في هذا الخضم الزاخر المتلاطم، وتلك سنَّة الله في خلقه وملكه.
- فما أمتع الأحلام وأسعد الحالمين، في دنيا الناس والفراق والشجن، وصدقت يا أبا الطيب وأنت القائل:
ومراد النفوس أصغر من أن
نتعادى فيه وأن نتفانى
 
- وتحية لشاعرنا الرقيق الوديع، ومعذرة إن لم أتحدث عن شعره بما يكفي ويستحق هو وشعره الجميل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :769  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج