شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أحمد الصالح.. شاعر ((مليكة القصيم)) الطائر المسافر!!
نزار قباني، ذلك الشاعر الذي لم يعش مرحلته حاضراً محضوراً فحسب. بل وضع بصماته العشر على المرحلة التي عاشها بحيث أصبح كل شاعر يريد لفراشاته الطيران، ولطيوره التحليق، لابد من أن يمر من (( بوابة القباني )) الرئيسة لدخول (( مدينة الشعر )) التي كانت تحتوي على ((مطارات)) خاصة لإطلاق أي صاروخ، أو ((مكوك)) جديد!!
نزار قباني، الشاعر الذي اختلف معه من اختلف، واتفق معه من أتفق، فكثرت حوله، وعنه، ضده، ومعه، الدراسات الطويلة، والآراء العابرة المبتسرة!!
مشكلته ـ إذا كانت هذه مشكلة ـ أنه إذا نُشرت له قصيدة جديدة، تداعت لها كل أرجاء الوطن العربي بطوله، وعرضه، وحفظتها أو بعضاً منها أصوات الملايين، وحرصت كل صحيفة، أو مجلة عربية على إعادة نشرها لكسب قراء جدد!! فقد كان شعره ((كالعملة الصعبة)) التي تباع في كثير من الأقطار العربية في ((السوق السوداء))، وتتداول في السر!!
دواوينه الشعرية كان يُمنع دخولها في بعض البلدان العربية مثلها كمثل ((المخدَّرات))، أو أفلام ((الخلاعة والعري))، حماية للقراء، والقارئات من الفساد، والانحراف، ومع ذلك تتسلل دواوينه غرف نوم الشباب، والشابات، ويندر أن تخلو مكتبة ((خاصة)) من هذه الدواويين!!
كان (( أمبراطوراً )) دون أن يتوَّج على كل قراء العربية، وكان (( طاؤوساً )) أكبر من كل الطواويس، وكان (( هَرماً )) والآخرون سياحاً تحبس (( الدهشة )) عقولهم، وأنفسهم!!
وكان (( مدرسة )) لها تلاميذها الذين تلقَّنوا ((ألفباء)) الشعر في فصولها، ونحن مهما أختلفنا معه، أو اتفقنا لا نستطيع أن نقول إنه ليس شاعراً، وإن مدرسته ((القبَّانية)) لم تترك بصماتها على شعر كثير من الشعراء العرب، وبخاصة في بداية تفتح زهور شاعريتهم!!
وصديقنا محور هذه الموضوع، لم ينج من طغيان مدرسته المؤثرِّة بشكل عنيف حاد، لأسباب يطول شرحها، وتحتاج إلى دراسة مستقلة.
إقرأ لصديقنا هذين البيتين كمثال:
شفتاك قبَّلتا لَمَى الورد
من منكما المحظوظ بالورد
إن الهوى في القبلتين هنا
يحتار في شفتين من يفدى
إذا كَنْتَ قرأت شعر ((القباني)) في الغزل دارساً متعمِّقاً، ألا تشعر أن روحه الطاغية تسكن هذين البيتين؟ سؤال تقريري، لا استنكاري!!
وصديقنا في مطلع شبابه، وبداية شعره، كان مثله مثل المئات من الشعراء الذين مرَّوا أثناء مسيرتهم الشعرية بمدرسة ((القباني))، لكنهم بعد ذلك وجدوا ((ذواتهم الشعرية الخاصة)) فألغوا مفردات ((معجم المدرسة القبانية)) لتكون لهم ((معاجمهم)) التي تتناغم مع توجهاتهم، وتنسجم مع مواهبهم المستقلة!!
عرفتُه، أول، عرفته عندما جئتُ للعمل منقولاً مع إدارتي في نهاية الثمانينيات الهجرية إلى الرياض، أي أن معرفتي به مر عليها الآن أكثر من ثلاثة عقود، وكان الأدب، وحب الأدب جمعانا، وألَّفا بين قلبينا مع عدد آخر من الشباب الذين كانوا في عمرنا، وإذا فرَّقت بين أعمارنا عدد من السنوات القليلة فقد أستطاعت ((العلاقة الأدبية)) أن تلغي هذه الفوارق فلم تقف في مسيرتنا حدود، أو فواصل زمنية!!
قال شعره: (( العذري )) مبكِّراً، كان كالعصفور يتنقل من وردة، إلى زهرة، قبل أن تتشكِّل هويته الشعرية، ولأنه كان ملتزماً ((عائلياً وأسرياً واجتماعياً)) فلم يوقع قصائده باسمه الصريح، بل اختار إسماً رومانسياً، فيه حزن ((الغربة)) ووجع ((الاغتراب)) هذا الاسم المستعار الذي له أكثر من دلالة هو (مسافر)!!
كما أسلفتُ كان من المفتونين بشعر ((نزار قباني)) الذي كان مالئ الدنيا، وشاغلها فقرأ دواوينه ابتداء من أولها (( طفولة نهد )) الذي حين صدر كان له صوت تفجير قنبلة جديدة الاختراع، لكنه أدار له ظهره حين بدأ يوظِّف شعره سياسياً، ويسلِّط سهامه المسمومة إلى تاريخ الأمة العربية، وينشر لعناته على العرب بألفاظ غير لائقة، وصور شعرية قميئة نالت من مكانته، وحوَّلته من شاعر يكتب للحب والحنين، إلى شاعر يكتب بالسكين، كما قال عن نفسه!!
صوَّر نفسه أنه نصير ((المرأة العربية)) في الوقت الذي لم يسبقه، ولم يأت بعده شاعر ((عرَّى)) جسد المرأة العربية، وعبِثَ بحلمات ثدييها، وكشف مستورها، فتحوَّل إلى شاعر (رافض، مرفوض) كما يرى الصديق الناقد (جلال العشري) رحمه الله.
أدار صديقنا ظهره ليقرأ (( السيّاب )) و (( أمل دنقل )) و (( صلاح عبد الصبور )) ، و (( الزهاوي )) ، و (( الجواهري )) ، و (( الرصافي )) ، و (( أحمد شوقي )) ، و (( حافظ إبراهيم )) ، و (( أحمد فتحي )) ، و (( علي محمود طه )) ، وغيرهم. إلى جانب قراءاته الشعرية التراثية. فأخذ منهم أحسن ما يلائم تركيبته النفسية، ويلتقي مع ((مزاجه الفني))، و ((قيمه الاجتماعية)).
حين تعرّفتُ عليه كنت يومها مشرفاً على صفحات الأدب، والفكر، والثقافة في مجلة (اليمامة) مساءً، كان يمر عليَّ مع صديق الطرفين الحبيب (حمد عبد الله القاضي) لنلتقي بالصديق (عبد الله الماجد) الذي كان يميل إلى (النقد الأدبي)، والإطلاع على كتب النقد بكثرة، ثلاثة كنتُ أشعر معهم وبهم أنني لستُ مجرد صديق فحسب، بل شقيق روح يشاركونني آلامي، وآمالي، فأنسوني شعور الاغتراب بعيداً عن أهلي، وأشقائي الذين يعيشون في ((جدة))، و ((جيزان))، وملأ وافراغ حياتي إلى حد أن عدة سنوات تمر دون أن آخذ إجازة لزيارتهم!!
ولا أبالغ إذا قلتُ إنهم جعلوني أشعر بمودتهم أكثر من بعض أشقائي، ولأن أجدادنا العرب كانوا أصحاب حكمة، فقد كانوا على أكثر من حق حين قالوا: ((رب أخ لك لم تلده أمك)).
كان هذا شعورنا نحن ((المربع)) المتساوي الزوايا، والأضلاع، وحين أقول ذلك إنما أقوله لأنه لا أحد منا يشعر أنه أفضل من الآخر، كأننا ((توائم)) وصدق حبيبنا المصطفى مسك ختام الرسل والأنبياء جد كل تقي محمد عليه الصلاة والسلام في حديثه الشريف (( الأرواح جنود مجندة ما تآلف منها إئتلف، وما تناكر منها أختلف ))، أو بما معناه.
كنتُ أشعرُ ـ وما أزال، وسأظل ـ أنني كسبت جواهر ثمينة، وعقود لؤلؤ لا تقدر بفلوس الدنيا!!
بمرور الأيام أَشْرَفَ على صفحتي ((كل شيء)) / الكشكول في مجلة ((اليمامة))، وبدأ يكتب نثراً فنياً جاذباً ومنعشاً من خلال زاوية تحمل عنواناً تتطلع إليه كل شعوب الأرض هو (( غصن زيتون )) كأنه يعبِّر عما في أعماقه، لكنه استمر على توقيعه باسمه الشعري المعتاد (مسافر)، وقد ينهيها بأبيات قصيرة من ذوب شعره ((الرومانسي)) ـ يومذاك.
ثم أنضم إلينا القاص/الصحافي الفلسطيني (اسماعيل كتكت) الذي لو استمر في كتابة القصة القصيرة لأصبح اليوم من أعلامها في الوطن العربي، وبخاصة أن (( دار العودة )) في بيروت استقبلت مجموعته الأولى بعنوان (الرجل الذي ولد مرتين) بترحاب، لكنني لم أعلم شيئاً عنها إلى الآن، لانقطاع أخبار الصديق (كتكت) عني، رغم معرفتي بأنه مقيم بالقاهرة.
لقد كان يعمل معنا في المجلة، ليس حباً في العمل، وإنما ليكون معنا، ويقدِّم استطلاعات صحافية مثيرة متجدِّدة تحت عنوان (الكاميرا السحرية)، ويوقِّعها بالحرفين الأولين من اسمه (ألف، كاف)، وقد ربطتني به بصورة خاصة علاقة قوية، وصداقة متينة.
معذرة لهذه ((التخريجة)) لدور الصديق (كتكت) في علاقته الحميمة بالمربع المتساوي الزوايا، والأضلاع، داعياً له بالتوفيق في حياته الجديدة، وأن نجتمع من جديد.
لا أشك أنكم قد عرفتم صديقنا محور هذا الموضوع بعد أن عرفتم اسمه الشعري المستعار (مسافر) الذي ما يزال يضعه بعد أن كشف عن اسمه الحقيقي (أحمد الصالح ـ مسافر)، وبعد إحساسه بحضوره الشعري من خلال الإعجاب الكبير الذي لقيه من القراء، والأدباء، والشعراء، والنقاد، وطبع أول دواوينه بعنوان (عندما يسقط العرَّاف).
وتصوروا رغم العلاقة التي بيننا لم يهدني شيئاً من دواوينه، ولم أهده شيئاً من كتبي، بعد أن باعدت بيننا الأيام والظروف الطارئة جسدياً، لكننا ظللنا نلتقي دائماً روحياً، وقليل جداً بواسطة الهاتف رغم أننا نعيش في مدينة واحدة!! وهذه من أكبر جنايات المدينة، والتمدن على الناس، كما أن التمدد العمراني قاد إلى اتساع الشقة بين الأهل، والأصدقاء!!
حين وصلتُ إلى هذه النقطة لمع في ذاكرتي (فلاش)، أو ضوء مفاجئ، لا أدري من أين أبرق، وأزهر، شاهدتُ من خلاله مدينة (( عنيزة )) الباهرة، ربما لأن من أكتبُ عنه هنا هو من هذه المدينة التي من ضمن الصفات التي أطلقها عليها (( أمين الريحاني ))، في كتابه المعروف (( ملوك العرب )) صفة (( مليكة القصيم )) التي أخترتها عنواناً لهذا الموضوع، وربما تذكرت المدينة الباهرة بأبنائها البررة، أذكر منهم على سبيل المثال مع حفظ الألقاب والمناصب: (عثمان الصالح ـ عبد العزيز الخويطر ـ عبد الله القرعاوي ـ حمد عبد الله القاضي ـ صالح القرعاوي ـ عثمان القرعاوي ـ أحمد الصالح (( مسافر )) ـ عبد الرحمن السماعيل ـ إبراهيم التركي ـ بندر عثمان الصالح)، مع الاعتذار لمن لم تحضرني أسماؤهم.
كنتُ إذا غبتُ في إجازة يقوم الصديق الشاعر (أحمد الصالح) بالإشراف على صفحات الأدب في المجلة نيابة عني، وأحياناً يقوم بذلك الصديق كتكت، وفي المقابل إذا غاب هو في إجازة أقوم نيابة عنه بالإشراف على صفحتي ((كل شيء)) الكشكول؟
وقد اكتشفتُ خلال معرفتي بالصديق (أحمد الصالح) كثيراً من المزايا الحميدة، والخصال النبيلة، فهو لا يقول: (( النكتة )) لكنه يسمعها ويضحك لها، وهو من النوع الكتوم، تشعر من خلال معايشتك له أنه لا يحمل هموماً حياتية، لكن شعره كالصب يفضحه، فهو يستعيض عن (( الفَضْفَضَة )) الاجتماعية إلى ترجمة ما يختزنه من خلال شعره، لهذا فإن الدارس لشعره العاطفي، وغير العاطفي، يستطيع أن يحلِّل نفسيته ليصل إلى أعماقه الدفينة.
ولكي يصل إلى هذه الأعماق، فإن عليه توظيف، المذهب النفسي )) في النقد، ورغم أن جريدة (( الجزيرة )) خصَّصت في إحدى المرّات صفحات الأدب فيها عن (أحمد الصالح) إلا أن ما نُشر عنه كان مجرد انطباعات، ومشاعر لا تقدم شيئاً عنه بصفته شاعراً، والجديد الذي أستفدتُ منه ما كتبه الصديق، وزميل العمل سابقاً الدكتور (عبد الرحمن السماعيل) الذي كشف عن جانب لم يكن معروفاً عن الصديق (أحمد الصالح)، وهو شعر (( الأخوانيات )).
ولا أتذكَّر أن أحداً ممن كتبوا عنه أشار ـ ولو مجرد إشارة ـ إلى كتاباته النثرية الفنية الجميلة التي كان يكتبها تحت عنوان زاويته (( غصن زيتون )) في مجلة (( اليمامة )) ، ولا أدري لِمَ لَم يقم بطباعة هذه الكتابات النثرية الجميلة في كتاب؟
أعرفُ أن عدداً من الأدباء، والشعراء يحجمون عن طباعة بداياتهم خشية النقاد بعد أن أصبحوا رموزاً، مع أنني ضد هذا الاحجام، لأن البدايات لها حلاوة الحب الأول، والنقاد حين يتناولونها ـ إذا كانوا منصفين ـ سيضعون للفترة الزمانية مكانتها في الحسبان، وربما جاءت هذه البدايات في صالح المبدع، لأنها ستعكس قدراته الفنية على التجاوز في زمن قد لا يكون طويلاً، هذا جانب، ومن جانب آخر فإن البدايات لا تعكس إلا مرحلة من مراحل مسيرة المبدع، ولكل مرحلة ظروفها، وأدواتها، وأساليبها!!
وكنا نحن أصدقاء (أحمد الصالح) نغبطه على كثرة المعجبين، والمعجبات بنثره، وشعره، وكان بعضهم لا يكتفي بالكتابة، بل يتصل به هاتفياً، والقراء في رأيي ـ من الجنسين ـ هم وقود المبدع، وهم المحرِّك لفكره، وتفكيره، وهم ((ترمومتر)) الرضا والنجاح، وفيهما السعادة للمبدع الذي يحترق أثناء إبداعه!!
أما الكاتب الذي لا ((يهش، ولا ينش)) فليس له أمام احتراقه إلا رحمة الخالق التي وسعت كل شيء، والله المستعان.
قال عنه الناقد المصري الصديق الأستاذ (جلال العشري) رحمه الله في مقدمته لديوانه ((عندما يسقط العراف)):
((الفطرة والفكرة.. هذان هما الجناحان اللذان يحقِّق بهما هذا الشاعر المسافر أبداً، عبر الزمن الغارب، عبر شفتى الجرح، عبر مواجع العشاق، عبر الفرح الذبيح ورحلة الجراح، وهو في رحلة سفره الأبدي، يرسو بقاربه كل حين عند شاطئ الأعراف، يصغي لدقات المجهول، وهو يعزف أنشودة الحب والحرية والحياة (الحاءات) الثلاثة التي جعلها مداراً لقصائده الشعرية، تلك التي حاول فيها أن يستبق الرؤية البصرية المحدودة إلى الرؤية الحدسية غير المحدودة، معلناً سقوط العرَّاف الذي كان يوماً مبشراً بميلاد الإنسان الذي يكونه يوما بعد يوم)).
هذا، ولنفاذ دواوينه الثلاثة التي صدرت، قام أخيراً بطباعتها مجموعة، وأضاف إليها قصائد أخرى قالها في بواكير مسيرته الشعرية عندما كان في مرحلة الثانوية العامة من دراسته.
وقد أهداني قصيدة قصيرة بمناسبة عقد قران ولديَّ (صافي وطه) مفعمة بالمشاعر الأخوانية الكريمة اعتز بابرادها هنا مسكاً لختام الموضوع:
يا أبا صافي..!!
تهانينا.. بصافي وبطه
وأمانٍ أن يعيشا
العمر ممدوداً سعيدا
ملؤه الدفء حناناً
فيه للنفس مناها
ونعيش العمر والأبرار
عقوداً لك الشمل بهم
عزاً.. وجاها
* * *
يا أبا صافي..!!
تحيات صديق
كلما طافت به الذكرى
ـ بأحباب له ـ القلب تباهى
دامت الأفراح في دنياك
عزاً وارف النعمى
وأياماً بها السعد تناهىَ وتناهىَ
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1574  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.