شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أيام هذا الرجل!!
أكتب لكم من داخل صدر هذا الرجل!!
صدر مليء بالأخاديد، والندوب، وترسبات التجارب المريرة، والقاسية..
من دائرة الصدى في صدره.. أمتشق لكم أحلى كلمات.. لا غيرها، لا سواها، لا بديل لها في حياته..
كانت له شمس ذات يوم، ونزفت اشعتها.. نزفت معاناة، ونزفت إرهاصات فكرية، ونزفت أياماً اتسمت بالطموح تارة، وبالماديات تارة أخرى، وبالأماني الشفافة جداً حتى الفضح، وبالرؤية الرومانسية حيناً، وبالرفض لأشياء كانت مثار جدال بين تصاعد سنوات عمره إلى الشيخوخة. وبين الانفعالات الشابة التي أخذت تتراكم في نفسه!
من داخل صدر هذا الرجل.. أنتقي لكم المناسبة التي وضع توقيتها هو، وجعل إطارها كلمة واحدة هي: أيامي!
في داخل صدره شواهد جيل كامل سمته، وميزته، وطابعه أنه قرر أن يعشق أيامه تلك بنهدة فكرية رغم صعوبة الأداة، والافتقار إلى انفتاح اجتماعي!
جيل يقول لنا دائماً، وفي كل حوار: كنا نقرأ على الشمعة، و ((اللمبة التنك))، و ((القمرية))، وكنا نقتصد مبلغاً كبيراً لشراء الكتب لنلتهم محتواها بلذة، وتشهي، ورغبة. كان زحام الثقافة في العالم من حولنا يزداد، ولم تكن لنا قاعدة فكرية بالمعنى الدقيق.. قرأنا كل شيء في الوقت الذي جئنا فيه فلم نجد من يوجهنا، أو يتأستذ علينا، أو يدلنا على طريق الأدب الصحيح.. إنهم يمثلون النهج العصامي!
وخرج جيل من الكتاب: شعراء، وهم أقوى، وأمتن في ما قدموه من إنتاج.. وقصاصين كانوا يفعلون المحاولة بإصرار، وعناد.. وكتاب مقالة نقدية في طابع ملحوظ من تناول الذات والعراك ((الديكي))، ثم تبلور النقد نوعاً.. فاستطاع كتّاب هذا اللون أن يساهموا في حدود مقدرة الفترة الفكرية تلك!
وحفلت جريدة ((صوت الحجاز)) ثم ((البلاد السعودية)) بزحام من أسماء الأدباء الذين برزوا فجأة، وأعطوا فجأة، وصالوا فجأة، واختفوا فجأة!
إن جيلنا المعاصر لم يعد يرى منهم إلا قلة.. وهذه القلة اعتادت أن تكتب اليوم شيئاً لا يعكس ابتداءهم، ولا يصر على تلك القوة التي سطعوا بها. الكثير لم يعد يكتب، والبعض لم يعد يقرأ أيضاً، والقليل مازال يساهم في إمداد الصحف بإنتاجه قطرات.. قطرات، وبغير الأسلوب الأصيل الذي عرفوا به، وبغير الأفكار الناضجة، والحياة التي تعاركوا من أجلها في عصرهم.
محفورون في دفاتر التاريخ الأدبي لهذا البلد.. والدفاتر مطبقة، وعلاها الغبار، وأصبحوا مجرد دعوة لدارس يأخذ نماذج قديمة، وينفض عنها الغبار، وهي مجرد أسماء محفورة لا أكثر!
* * *
إنني لا أرغب في سرد الأسماء، فيكفي أن تقول: تلك كانت حبيبتي.. من صورتها المعلقة على الدار.. من بسمتها المصلوبة على الورق تحكي تاريخ أيام غبرت.. من حزمة رسائل ترجع إليها كلما فاض شوقك لذكرياتك!
وأتمنى ألا يتهموا كلماتي هذه بالقسوة.. فعندما أرغب أن أنادي طيف حبيبتي الهاجر أقول: يا هاجرة.. يا قاسية!
إن الجيل الماضي حبيبنا.. قرأناه، وتعشقنا أفكاره، وحاولنا أن نقلد طريقته في الكتابة.. ثم ضعنا في وسط الطريق، عندما توقفوا في المنتصف، ورفعوا أذرعتهم ولوحوا لنا:
تقدموا إلى الأمام.. عليكم أن تعرفوا الدرب بإصراركم فقط، وبتنقيبكم!
أغلب أفراد الجيل الأدبي الماضي لم يترك لنا مؤلفاته لنرجع إليها..
بعضهم - أيضاً - تخلى عن افتتانه بالفكر.. تكالبت عليه أسباب العيش، ومات مخنوقاً بالغبار!
وعندما برز الجيل الجديد.. جاء ظهوره مهزوزاً، و ((بالقطاعي!)) وبالاجتهاد الشخصي البحت، وبلا ركائز تراثية، أو قومية، أو تاريخية.. اندفع إلى الكتب المترجمة. وقرأ ما تحصَّل عليه من مؤلفات عربية، وما زال ينادي: أين أدبنا المحلي.. أين نتاج أدبائنا الأوائل.. أين أصواتهم؟!
الأسف لا يجدي..
المواربة لا تمنح كل الرؤية!
المجاملة لا تعكس الحقيقة كلها!
إن الفكر جسر من الأذهان المتقد استمرارها على مر الأيام..
إننا - كجيل جديد - نمشي على الماء، ونصفق!!
(إن المأساة أن يعجب بك الذين يسيئون فهمك)!!
نحن لا ننكر أن من سبقونا أصحاب فكر، وإبداع، وفن وثقافة.. ولا نريد أن نسيء فهم ميزاتهم هذه.. فقط نود أن نلمسها.. أن نرجع إليها.. أن تكون ارتكازاً وقاعدة!
إن المحبة ضريبتها باهظة.. لكني كما قال أديب: ((لا أعرف ما الذي أفتحه: فمي أو عقلي))!
إن رعيلنا الأول العزيز جداً تنطبق عليه عبارة الأديب الإيطالي - مباراته - إنه: (عبارة جميلة لها مبتدأ، وخبر، وعشرات من الصفات، وليست لها نقطة)!!
* * *
بعد هذا أتنفس.. كالذي كان يواصل السباحة أسبوعاً، ثم خرج إلى الشاطئ وألقى جسده، وأغمض عينيه، وصمت!!
إن كل كتاب تقذف به المطابع، ويحمل في رأسه اسم أديب أو شاعر، أو قاصّ من بلادي أتلقفه بنهم، وتعتصره يداي حتى أنهي قراءته، إلى أن وجدت فجأة شاطئاً جميلاً وجلست أتطلع إلى حركته، وأنفاس من فيه!
وعلى شاطئ العبارة ((الشكولاتة)) التي يكتبها هذا الرجل.. جلست أستمتع بنكهتها.. فهو صاحب أسلوب ((شيكولاتي)) تأكل بحسك ولا تشعر بالتخمة، وأيضاً لا تشعر بالامتلاء!!
إن أسلوبه فريد، وماتع، وشاب، وينتزع شفتيك من بين أسنانك!!
ودخلت في صدر هذا الرجل، وهو ينادي بعنوان كتابه: أيامي!
إنه أستاذنا ((أحمد السباعي)): المؤلف، والصدر المنادي.. إنه من القلائل الذين واصلوا الكتابة إلى حين، ومن الذين واصلوا طباعة كلماتهم وأفكارهم حينما تتيسر المادة، وانتزاع الفراغ من الوقت الفارغ!
إنه صاحب مطبعة، وهذا شغله الذي كان!
وصاحب محبة للحرف.. غير أنه كسول.. بطيء الأصابع وعندما يكتب فهو ((أحمد السباعي)) الذي قرأنا له من زمن بعيد: فكرة، و ((أبو زامل))، والكجا، وصحيفة السوابق، وإن كنت أرى أحسن ما كتب هو قصته ((فكرة)) - رغم قدمها .. قدم فكرتها، وقدم طباعتها، وقدم معالجتها، وقدم ((التناول)) الكتابي في أسلوب القصة!
لقد أبصرت فجأة أن أمامي كتاباً مطبوعاً للأستاذ ((أحمد السباعي)) عنوانه ((أيامي)) وإن هذا الكتاب هو عجينة لأصل قديم له.. اسمه ((أبو زامل)).
إن الجديد في هذا الكتاب أنه وضع النقاط إلى الحروف، وكشف عن أبطاله، وأشخاصه، وماضيه.
لقد تحدث فيه عن نشأته، وعهد ((الكتاتيب)) والتربية بالعصا، ووصف الطموح في عهد ((الأتريك، واللمبة))، والكفاح في الحياة على نحو مرهق، وصاهر!
وقرأته.. أعجبني فيه أسلوب الأستاذ السباعي الذي لم يطرأ عليه تغيير.. وعرضه الشيق للأحداث، وتناولها بدون أن ينسج في صدرك الملل.
إن في هذا الكتاب نفس هذا الأديب، وشخصيته، وحياته الأولى، وهو على نسق ((الأيام)) لطه حسين، و((حياة قلم)) للعقاد، وإن اختصر السباعي ملامح كثيرة، وغيبها، وهو يفتقر أيضاً إلى ركائز تفصيلية لجوانب أخرى من حياة الأديب.. فلم يفعل طريقة ((باسترناك)) في مذكراته، وتخلى عن قسمات معاشية، أو حياتية كتلك التي فصّلها ((جان جاك رسو)) في مذكراته أيضاً، أو التي اعتنى بها وتغنى بها ((جوته)) في كتابه آلام فرتر.
لقد تطلع الشيخ السباعي إلى نفسه في المرآة. فرأى الشيب قد خط فوديه، والتجاعيد ملأت وجهه، والهرم باد عليه.. لكنه أغفل تلك البسمة الشابة المتفائلة التي عرفناها على شفتيه دائمة. و ((برشم)) المعاناة، والانفعالات التي مازالت تجيش في صدره، وهو - بعد هذا - يذكرني بعبارة العقاد التي قالها في كتاب ((حياة قلم)):
ـ (إن الإنسان يعرف نفسه بالتخمين لا بالتحقق، وإنه كثيراً ما يكون في تخمينه عنها غريباً يبحث عن سر غريب، ولا فرق في هذا بين البحث عن أعمالنا والبحث عن أعمال غيرنا لا في الدرجة والمقدار بحكم العادة والتكرار)!
* * *
بعد ذلك جلست القرفصاء، أو الكرفصاء - بقراءة عبد الله بن مسعود - وأخذت أتطلع إلى وجهين يفيضان حباً وعمراً وجهداً.
ـ الوجه الأول: هو يتشكل من هذه الحياة العريضة.. الحافلة بالعرق، وبالإبداع، و (الفكرة) وبالأماني التي حاول صاحب الوجه أن يحققها من انتمائه وإحساسه ببلده، وحاول أن يكون عطاؤه متفقاً مع أحلامه العظيمة التي أحب فيها بلده، وعشق أرضه، وأفنى عصارة عمره في السعي الدؤوب والمخلص.. ليكون مشوار (الأدب) درباً يوصل الخطوات إلى الفرح بالجهد، وإلى الفرح بالتطور، وإلى الفرح بامتلاك قيمة الإنسان في الإنسان!
والوجه الآخر: (يلذ لي!) أن أطالعه بلا نسيان.. كأني أتأمل (البوم) صور لملامح ولحياة أصيلتين.. وأركز نظري على صورة فيه، مألوفة.. تتضح من خلالها عادات البلد القديمة، وحكاياته!
والصورة (المطلع) في بداية هذا (الألبوم).. تتجسد قسماتها من خلال كتابه (أيامي) الذي روى فيه أهم جوانب كفاحه، وأحلامه، وتحدث عن حكاية شغفه بالأدب، وعشقه للحرف، وإقدامه على الكتابة.. فقال:
ـ (لعلّ في قصة إلحاقي بركاب الرعيل الأول من كتاب الحجاز ما يثير الضحك.. فقد تسامعت بخبر هذا النفر وكنت قد علقت الكتابة وتعشقت الأدب، فعن لي أن أجرب قلمي.. كنت يومها شاباً أشتغل بالتدريس، وليس بين الرعيل إياه من يعرف حتى اسمي، فأنشأت أجرب قلمي خفية، ولكن.. هل أنشر إنتاجه على السطح؟!.. تراءى لي أن أجمعه فيما يشبه المجلة أو الكتاب، واقتحم به هدوء الشيخ محمد سرور الصبان - أبرز الشلة يومها - وأعتقد أن الشيخ محمد سرور ضحك يومها ملء صدره من هذه الخبصة! - بعد أن قرأ بعض وريقاته)).
إلى آخر ما رواه أستاذنا أحمد السباعي عن هذا البداية!
ثم كانت الصورة (المحبرة) التي عكس (السباعي) من خلالها أفكاره المتقدمة.. هي تلك القصة التي نشرها في بداية طلوعه الأدبي، وأسماها (فكرة).. وكانت أول قصة طويلة أصدرها وأحدثت ضجة في أوساط الأدباء والمثقفين يومها.. وهي قصة فتاة عاشت لآرائها الحرة في الحياة!!
وتوقفت عند قسمات (خالتي كدرجان) وهو اسم اختاره لمجموعة قصص (تضم أنماطاً من واقع بلا رتوش) كما قال.
ومن خلال مجموعاته القصصية وأدبه عامة.. تكتشف أن (أحمد السباعي) هو مصدر حريص ومبدع.. التقط عشرات (البوزات) لفترة أصيلة من تاريخ مجتمعنا، وتكتشف أن طريقة (أحمد السباعي) في الكتابة، تتسم بصدق النقل، ورقة الملامح وهو (شعبي).. استطاع أن يجعل قارئه يرى ويلمس أبرز ما كان يعتمد وتتصف به (جوانية) ابن البلد، وأي خالة وأم وفتاة في تلك الفترة.. واستطاع أن يصور أحلامها ويفضحها، وهي تلبس (المحرمة والمدورة) وغطاء الوجه الذي (يكعبل)! .. وفي نفس الوقت تهمس بحب: (تعال يا رفيق روحي.. ليتك تسمعني).. فكأنني أقرأ دقة في تسجيل ملامح مجتمعنا القديم بالبراعة التي اتصف بها (نجيب محفوظ) وهو رسم بالكلمة صورة المجتمع القديم!
إن الريشة التي يرسم بها (السباعي) هذه (التابلوهات) الاجتماعية الشعبية.. يغمسها في عدة أوعية، لكن (التابلوه) يعكس في نهاية العمل لوناً واحداً زاهياً!
شريط حياته:
إن (أحمد السباعي) هو أحد فرسان القصة القصيرة، أو هو أحد (قدمائها) المؤسسين لها بروح البلد وعاداته وتقاليده، وقد ربى نفسه وفكره بركضه المستمر وراء كل ما كان يصدر من كتب، مثل دودة القز، فالتهم الكثير.. ولكن ذهنه كان يطوف به حول تنفيذ رسالة يحبها كثيراً، كانت رسالة المعلم، وحاول أن يعطي هذه المهنة إخلاصة، ومن خلاله أراد أن يصل إلى أذهان الشباب ليدلهم إلى مزيد من نوافذ المعرفة.. فلم يكن (معلماً) عادياً يمسك بيده (الخيزرانة) ويضرب، و (يمصع) الأذن، ويدلق وظيفته كشيء يريد أن يخلص منه.. بل كان من الرواد أصحاب الهدف والرسالة.. لذلك، فقد بدأ حياته بأول مؤلف أصدره، ويعتبر أول كتاب وطني وضع لتدريس القراءة العربية في المدارس السعودية، وأسماه: (سلم القراءة العربية) من ستة أجزاء!
وكان بشكل أو بآخر.. يرتبط بمهنته الأخرى التي مارسها توارثاً عن أبيه.. فعمل (مطوفاً) للحجاج واستفاد من هذه التجربة، فأصدر كتابين هما: ((المرشد إلى الحج والزيارة))، وضمنه معلومات عامة عن المناطق المقدسة وآثارها التاريخية، والكتاب الآخر أصدره بعنوان: ((مطوفون وحجاج)).. وهو دراسات تبحث شؤون المطوفين وتدلى بآراء جريئة عن مهنتم!
ولعلّ من أطرف ما قيل عن كتبه هذه: أنه كان يكتبها بعد منتصف الليل.. لأن أسلوب هذا الكاتب يميل إلى الرومانسية، ورشيق العبارة والاستهلال!
وبرغم أن أستاذنا (السباعي) قد تعمقته الشيخوخة في أيامه الحالية.. لكنه ما زال حين يكتب ينطوي على روح شابة، وأفكار متطورة.. فقد كان صاحب فكرة إنشاء (المسرح الإسلامي) في مكة المكرمة، واستعد لتنفيذ فكرته، وشيد المباني الخاصة بالمسرح.. لولا ظروف حالت بينه وبين حلمه هذا بعد ذلك!!
وأسلوب (السباعي) يتميز بالطابع القصصي.. حتى فيما كتبه من مقالات ودراسات تاريخية.. وله اهتمامات (بتاريخ مكة) وأصدر مؤلفاً هاماً بهذا العنوان.. ضمنه دراسات في حياة مكة المكرمة: سياسياً واجتماعياً وعمرانياً وعلمياً.
* * *
مؤلفاته:
ومؤلفات (السباعي) ليست كثيرة، ولكنها متميزة بأسلوب يعرف به وينفرد، ويكاد البناء القصصي يغلب على الكثير من أعماله، فقد أصدر ((فلسفة الجن)) (وهو مقارنات بين عالمنا الأرضي ومثل الجن السامية وراء المجهول)، ثم كتاب ((صحيفة السوابق)) (وهو عرض للجريمة وتحليل للظروف التي تهيئ للإجرام، ومدى مسؤولية الناس عنها)، وأصدر كتاب ((يوميات مجنون))، (وهو بحث في فلسفة الحياة، يتناول فيه ألواناً من غرائب المفارقات فيها.. كتب على لسان مجنون).
وكتاب ((دعونا نمشي)) الذي قال عنه: في هذا الكتاب الذي أقدمه للناس دعوة صارخة للعمل في نواحي الحياة بقوة الرجل المتوثب للنهوض فيها!
* * *
وقفة هامة:
وفي تاريخ (أحمد السباعي) الأدبي وقفة هامة، تشير إلى أنه كان من المتحمسين لتعليم المرأة، فأنشأ يكتب محبذاً تعليمها، مما آثار عليه آنذاك حفيظة الكثر وتعرض للنقد اللاذع، وله في ذلك حكاية يرويها فيقول:
ـ شرعت أكتب بتوقيع فتاة: فصولاً متسلسلة، جعلت الفتاة فيها تصف نشأتها التعليمية وما نالها من عناية أبيها وأخيها .. حتى تذوقت معنى الحياة، وبدأت تنمو بافكارها إلى مستويات باتت محسودة عليها.
كتبت ذلك في بحوث مستفيضة، فلم ألبث أن وافاني تعليق لفتاة، لها شخصيتها المعروفة، وظن القراء أنه نقاش حاد بين شخصيتين.. لا يشك مرتاب في وجودهما.. وزارني في أحد الأيام عين من أعيان مكة يسألني أن أصارحه بأسمي.. الفتاتين. قلت: ولكن النظام لا يبيح لي هذا. قال: ولكني أنوي خيراً، فأنا قادم على الزواج.. ويسرني أن أجد الفتاة المتعلمة التي تسعدني!
ـ قلت له: أما والأمر ما ذكرت، فثق أني لسوء حظك أحد الفتاتين!!.. أما الثانية فهي من بيت فلان!!
* * *
ملامح من أدبه:
كتب (أحمد السباعي) القصة من وحي البيئة التي نشأ فيها وتعلم.. فكان يكتب القصة كما يصف أحد النقاد: (كأن القصة بتصوير بيئتها هي حقيقتها الزمانية والمكانية.. أي كل ما يتصل بوسطها الطبيعي، وبأخلاق الشخصيات وشمائلهم وأساليبهم في الحياة)..!
وهكذا فعل الأستاذ السباعي في كتبه.. كان يبحث عن سر غريب!!
إن صدره مليء بالأخاديد، والتجاعيد، والتجارب..
لكنه أيضاً صدر غني بالحب، وبالتفاؤل، وبالشباب..
وكنت قد أهديته عبارة راقصة قبل أن يموت.. أضعها في قفلة هذه السطور.. تقول:
((البجعة تغني قبل أن تموت))!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2565  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 362 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.