شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحب جنوناً !
ـ في الضجيج، والدهشة، واللامبالاة والاضطرابات الحسية والنفسية أصبح التركيز على العقل مرهقاً.. فلكي تستخدم عقلك لا بد أن تفكر بتروٍ، وإذا فكرت بتروٍ فاتتك أشياء كثيرة. وأنت لا تقتنع بسهولة وأنت تتصرف باستعجال.
إن إنساناً دخل إلى بيته.. ولكنه خرج مسرعاً، وفي خروجه لم يتوقف وإنما انطلق.. بحثاً عن الحب، وعن القتل، وعن الصحة، وعن الانكسار!!
ويندر جداً في هذا العصر أن يتحدث المجتمع الإنساني عن قصة وفاء.. أو عن قصة حب لن تنتهي، فالحديث يتركز على النهايات، ولذلك.. فعندما خرج هذا الرجل إلى الناس بهذه الصفحات التي كتبها.. فاجأهم. تكلم معهم عن البداية في الحب.. كيف يبتدئ الحب بعد الموت، أو كيف يتغلب الوفاء على التسلية، وعلى الجحود، وعلى التلاعب بالمشاعر؟!
وكان الإنسان ظامئاً إلى طبائعه الأصيلة، أو إلى جوهره، فلم يكد يصدق أن كاتباً بنى قصة عن شابين بهذا العمق، وبهذا الوفاء، وفي وسط صخب الماديات، وفي عصر الاضطرابات النفسية، والخلخلة الحسية، وفي أمريكا حيث تسود موجة الرفض، واللامبالاة، والهيبية، والمارجوانا وغيرها.
إن الصورة الدقيقة لإنسان اليوم.. هي فيما عبرت عنه، ورسمته الكاتبة الأمريكية ((رشيل كارسون)) التي حصلت على جوائز عديدة وقالت هذه العبارة الكاريكاتورية عن إنسان اليوم، أو حالته:
ـ (إن إنساناً ما قد جاء إلى هذا البيت ولم يجدني على مكتبي، فأطلق رصاصة على كلبي. إنه إنسان في غاية القسوة. لقد أراد أن يوجعني مرتين.. مرة على فقد هذا الحيوان المسكين الأمين، ومرة على ما وصل إليه حال الإنسان.. إنه يقتل لمجرد القتل)!
وهذه الحالة من التذبذب لم تدع للإنسان فرصة أن يصفو، وأن ينتقي. لأنه يسدر في متاهات مجنونة تؤدي به إلى الدمار النفسي، فكيف فكّر هذا الكاتب الأمريكي في تأليف قصة مغرقة في الرومانسية.. اسمها (قصة حب) وعلى غلافها يكتب هذه العبارة القائلة (الحب.. هو أن لا يكون لنا أن نقول أبداً إننا آسفون)!!
إنه (أريك سيجال.. الذي اعتبره النقاد ومؤرخو الأدب أهم كاتب أمريكي في السبعينات)!
طبع من هذه الرواية خمسة ملايين نسخة، وترجمت الرواية إلى معظم اللغات، وحولت فيلماً، وطالب طلبة الجامعات بأدراج هذه الرواية في برنامج الأدب المعاصر إلى جانب كبار الروائيين.. وصفتها دور النشر فقالت عنها: ((إنها قصة حب تتحدث إلى قلوب جيل بكامله من الشباب.. قصة بسيطة كالماء الذي يجري.. غريبة كالحياة التي يواجهها حبيبان يسخران منها.. مؤثرة كجمع المصائر البشرية)).
ولا بد أن ((يتهوس)) مستر ((أريك)) ويبلغ مرتبة الجنون، فلا شيء كاللهيب.. لا شيء كالحرير، ولا شيء كالشهرة.. لا شيء كالحياة. لقد مزق ((أريك)) صمت العالم، ونفذ إلى انفلاشات الناس بفجائية، وبهرهم.. إنه دخل إلى حياة الناس بكتابه هذا وكانوا يعانون أبعاد هذه الصورة التي التقطها أنيس منصور وعبر عنها بهذه السطور:
ـ (إنها أقسى معركة صمت عرفها الإنسان والحيوان والنبات في التاريخ. ونحن نموت معاً.. أما الفاعل الحقيقي، فهو الإنسان. إن الجميع يحملون السموم للجميع)!
وهكذا أصبح الإنسان هو الفاعل الحقيقي، وهو الفعل، وهو المفعول به.. لأنه لا يعرف ماذا يريد، ولأنه فقد الحب وتنازعته الأهواء، والبغضاء، والهزائم. ولأنه لا بد أن يشجب وأن يكون لهذا الفعل ردة فعل تبدو حيناً هزلية، وحيناً آخر مأساوية، وحيناً ثالثاً دامية.
فكيف يأتي كاتب مثل ((أريك)) ويعطي للناس قصة حب لا تصدق.. كأنهم يقرأون ((غادة الكاميليا))، أو ((تس))، أو ((ماجدولين))، أو ((روميو وجولييت))!!
شيء لا يصدقه عقل.. في هذه المرحلة من شهرة الاضطراب!!
وأصبح ((أريك سيجال)) الأستاذ في جامعة ((بال)) بإنجلترا.. أهم كاتب في السبعينات، وأشارت الأصابع إليه حتى ارتفعت أصابع يده متجمدة.. مذهولة.. معقوفة إلى ذاته. أصبح أشهر أديب و ((أجن)) أديب!
إن الرجل أصبح لا يطاق.. فهو مجنون ((باستمارة)) اسمها ((قصة حب))، وشهرته معطوفة على ((أوليفر باريت)) و ((جنيفر كافيللاري)).. بطلا قصته هذه، واللازمة المعروفة للحوار بين البطلين هي كلمة: إعدادي.. أو لا بد أن يكون الحب من هنا ((إعدادياً)) لا يرقى إلى الثانوية العامة أو الجامعة (!!).
وأصبح الناس يتطلعون إلى هذا الأديب ((المهبول)) ويصفقون له في اللحظة التي يردفون قائلين: مسكين!!
لقد اهتزت شخصيته بسبب الشهرة، ولا بد أن يجن الرجل، فعندما يعرفك كل الناس فلن تصبح إنساناً عادياً، ولن تصبح سعيداً.. إنك تتحول إلى سخرية، وإلى حسد، وإلى ضعف، وإلى خوف، وإلى غرور!!
ويروون عن هذا الكاتب كمثال لتصرفاته.. هذه الحكاية:
ـ (أثناء حضوره إلى مهرجان ((كان)) السينمائي، وكانت روايته تعرض هناك، قال للصحفيين بدون أي تواضع: أنا عبارة عن زهرة مفكرة ، وعندما قابل ((ميشيل مورجان)) الممثلة الفرنسية الشهيرة بجمالها رغم سنها المتقدمة، قال لها: إن جميع إذاعات العالم سألته إذا كان على علاقة بها، فأجاب: إن هذا السؤال من الصعب الرد عليه، فاندهشت ((ميشيل مورجان)) وقالت له ببرود: ((ولماذا هذه الصعوبة في الرد؟.. كان يجب أن تقول بلا تردد: إنها في سن والدتي)!!
لقد أصبح الرجل مسخرة.. والشهرة مسخرة، لأنها نفاق ذاتي ومرهق، ولأنها مرض يزمن ويعل، ولكن ((أريك سيجال)) من الحتم عليه أن يتصرف هكذا.. فقد حملوه فجأة، وطافوا به العالم وهو في مكانه، وحملوه فجأة وطافوا به أذهان اناس وأعينهم، وانبهارهم. لقد قدم شيئاً غير منتظر، وغريباً، ولا يحدث اليوم بهذا العنف.
إن الحب لم يعد هو الرابط الوثيق الذي لا ينفصم.. إنه شيء يتعاطاه الشباب ثم يعودون إلى الأرصفة، واللافتات، والليل، والصراخ، والمسدس.
إن القتل اليوم هو التعبير الذي يفعله الناس عن حبهم.. فقد قال زعيم الهيبيز الشاذ ((مايسون)): لقد قتلنا شارون تيت لنطهرها، ونعيدها إلى الحب!
ولقد قال ((إريك سيجال)): إن هذه الظاهرة الخطيرة الممرضة.. تدل على وحشية الإنسان وعودته إلى الغابة.. إن الحيوانات الفاتكة تبدو أكثر رحمة وحناناً من الإنسان!..
إنك تتطلع إلى إنسان صامت ولا تعرف إن كانت في داخله نقمة، أو حقد أو غليان. إن الصمت سلاح إلى الدمار النفسي أولاً، ثم إلى الفيضان الكاسح.
ولا بد أن يصاب الإنسان بصدمة كهربائية، أو يصطدم بحادثة غريبة، أو ينبهر باكتشاف جوهر اندثر.
ولقد قدم ((سيجال)) روايته هذه ليعيد الإنسان إلى جوهره.. إلى الحب الذي لا يهون!
لكنه - فيما يلوح - لن يفلح.. فالصعوبة حقاً أن لا يكون الحب جنوناً، وأن يكون الجنون المطلق هو الجسر إلى الحب!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2252  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 343 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.