شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شمس وظل
بقلم الأديب النابغ النابه:
الأستاذ/علوي طه الصافي رئيس تحرير مجلة الفيصل الغراء
لم أكن أعرف إبراهيم أمين فودة شخصياً من قبل.. وإن كنت قد سمعت وقرأت عنه واحداً من رجالات مكة المكرمة ووجهائها وأدبائها.
لكنني أثناء زيارتي لنادي مكة الثقافي للمشاركة في الندوة الثقافية عن المجلات الثقافية وأثرها في الحركة الفكرية في المملكة مع صديقيَّ الوديعين الأستاذين عبد الله الشهيل رئيس تحرير مجلة "الجيل" وحمد القاضي رئيس تحرير "المجلة العربية" وجدتني أمام شخص ترتاح إليه النفس بما يحوطك به من رعاية وود وتواضع هي من صفات الأساتذة والمفكرين والعلماء.
بعد انتهاء الندوة انتحينا جانباً من صالونات النادي، وتحدثنا في أمور وقضايا فكرية.. والرجل "إبراهيم فودة" يجلس في وقار وهدوء يتكئ على عصاه.. يسمع وعلى وجهه تتألق إشراقة السعادة.
ثم تحدث الرجل.. بدأ صوته مثل شلال رقيق تميزه نبرة الصدق وعمق المحيط.. تحدث في أمور كنا نتصور أننا نعرفها.. وقضايا كنا نعتقد أنها قديمة، وأن جميع المفكرين قد قتلوها بحثاً فإذا نحن أمام مفكر يدهشك بحلاوة لسانه، وعمق تفكيره، واستقلالية رأيه.. مفكر جمع بين ثقافة تراثنا العربي الإسلامي أدباً وتاريخاً ولغة وتفسيراً وفقهاً وحديثاً ومنطقاً.. وبين فلسفات الغرب والشرق ونظريات الفكر والتاريخ القديمة والمعاصرة.
والرجل في كل هذا ليس مجرد جسر ناقل، أو موصل للأفكار والنظريات. إنه نمط آخر يختلف عن غيره ممن نعرف.. لقد طوح بنا يميناً وشمالاً، وإنزال أودية سحيقة، ثم صعد بنا جبالاً سامقة، لكنه لم يسقطنا في متاهات الضياع، ودهاليز التشتت الفكري.. لقد استطاع بعد رحلته التي نقلنا معه فيها هنا وهناك أن يلملم كل الخيوط ويضعنا أمام نظريات وأفكار جديدة أزعم أنه لم يسبقه أحد إليها ربما لندرة معرفتنا بهذا النوع من المفكرين، وهذا النمط من التفكير الإيجابي المتسلسل، وهذا العمق الثقافي المتنوع في بلادنا.
إن إبراهيم فودة ليس أديباً، أو شاعراً، أو مثقفاً فحسب.. إنه مفكر لم تفقده ثقافته الواسعة أصالته العربية والإسلامية.. ومنظِّر تجاوز المرحلة التي يعيشها.. إنه لا يقل عن غيره من مفكري ومنظرِّي الشرق والغرب الذين نعرفهم ونتحدث عنهم في كتاباتنا.
مشكلة الأستاذ الأب الرائد الكبير إبراهيم أمين فودة أنه لم يسجل فكره المنظَّر العميق، ولا يستطيع -كما عرفت منه- أن يفعل ذلك لأن شيخوخته شابة، ومشاغله الأسرية والاجتماعية ومرضه المزمن، كل هذه الأمور تقف حائلاً دون تسجيل فكره، ونشره بين الناس.. وهذا معناه أن جانباً من ثروتنا الفكرية لا ترى النور لعوامل كثيرة.. وهذه مأساة.
مأساة أن يجهل الجيل الحالي والأجيال القادمة فكر عملاق مثل إبراهيم فودة في الوقت الذي يطفو على السطح كثير من الغثاء والضحالة والفكر المستورد.
لقد تمنيت عليه ألا يضن بفكره. وأن يكون له سكرتيره، أو مسجله.. الذي يملي عليه فكره وتنظيره.. لكنني عاجز عن عمل شيء أحفظ، وأحافظ من خلاله على هذا الفكر.. مثلي مثل غيري الذين قال عنهم الصديق عبد الله الشهيل إننا نتكلم لكننا لا نتقدم.. إننا نتحدث كثيراً لكننا لا نعمل شيئاً من أجل أن نتقدم.. والله المستعان.
* * *
علوي طه الصافي
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1362  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 1257 من 1288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج