شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري (1)
المقدمة النقدية الخالدة التي كتبها الشاعر الكبير الأستاذ حمزة شحاتة - رحمه الله - لكتاب المرحوم الأستاذ عبد السلام بن طاهر الساسي (شعراء الحجاز في العصر الحديث) (القاهرة - دار الكتاب العربي - 1951م - 1370هـ) والتي تنصل منها شحاتة - فيما بعد - لأسباب أعرفها، هي بيانه الشعري. فلقد كان (شحاتة) مُعتزاً بفكره، وأدبه، وكان، كما ذكر لي المرحوم الشاعر السيد علي بن حسين عامر، لا يتراجع عن مواقفه، بل إنه يحارب في سبيلها إلى النهاية.
وأستاذنا الفاضل الأديب الكبير عمر عبد ربه - أطال الله بقاءه - يعرف عن هذه الشخصية الشيء الكثير بحكم صلته الأدبية بالشاعر أحمد قنديل الذي رثاه صديقه شحاتة بقصيدة تُعد من درر الشعر العربي، ولا يكون الصديق إلا في الرثاء. وهناك مقولة للشاعر الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي، ذكرها في سيرته الشعرية، بأنه يفتخر بأن يكون شاعر الرثاء، في إشارة إلى الذين يقللون من قيمة هذا الفن الأدبي. ولقد قرأت للقصيبي قصائد رائعة كتبها في الشهيد الملك فيصل - رحمه الله - وزملاء وأقارب له من أمثال (محمود نصيف)، (فؤاد بخيت)، (طارق المؤيد)، (نزار قباني)، ولكنني أختلف معه فيما كتبه عن المرحوم فائز بدر، ويعلم صديقه أبو الشيماء الأستاذ محمد سعيد طيب، والدكتور عبد الله مناع، والأستاذ الأديب محمد عمر عامودي، عن بواعث اعتراضي فلقد نكأت كلمات القصيبي جراح أبنائه، وتمنوا لو أن الدكتور القصيبي كتب تلك المقطوعة النثرية الرائعة في حياة فائز، وليس بعد وفاته، مع أنني كنت شخصياً أختلف مع فائز في حياته.
أعود إلى مقدمة (شحاتة) التي نجده يربط فيها بين الشعر والفنون الإبداعية الأخرى، من نثر، ونحت، وخطابة، منطلقاً من عبارة موجزة في كلماتها ولكنها عميقة في دلالاتها.
تقول هذه العبارة: ((الحجر مادة البناء الأولى)) ثم يقارن بين الحجر كمادة أولية يعمر بها الكون، والكلمة التي تتشكل منها صور الإبداع الأدبي فيقول: ((والكلام هو وسيلة التعبير عن أغراضنا وأداة تشكيلها وتصويرها، فهو - بهذا - مادة البناء الأولى في مطالب النفس والفكر))، ومع أن الناقد والشاعر (شحاتة) يتعرض بكثير من التفصيل غير الممل إلى المقارنة بين الشعر وفنون القول الأخرى، إلا أنه لا يُخفي ميله إلى الشعر، وأنه يتفوق على هذه الفنون، وأنه يُعبر عن خلجات النفس بصورة لماحة. وكأني بالأستاذ شحاتة يميل في هذه الناحية إلى مدرسة الطبع في الشعر العربي التي يُعتبر أبو عبادة الوليد بن عبد الله البحتري (206 - 284هـ) رائدها، ولقد عبّر البحتري عن طبيعة الشعر التي تعتمد على اللمحة السريعة الخاطفة التي تُسجل تلقائياً اللحظة الشعورية التي تومِض في نفس الشاعر دون إخضاعها للتفكير العقلي، عبر هذا المنحى في بيت ذائع من الشعر فقال:
والشعر لمح تكفي إشارته
وليس بالهذر، طولت خطبه (1)
يقول (شحاتة) مقارناً بين الشعر وسواه من فنون الإبداع: ((فالشاعر - إذن - صاحب صناعة فنية، مثالية، رفيعة، تتصرف بمادة البناء الأولى في أبنيتها، وصورها تصرُفاً يتيح لها تعبيراً أغنى وأروع وأحفل بالفكرة والإشارة، والرمز والمعنى، والمضمون، أو تصرفاً أوسع مدى من تصرف المتحدث والخطيب والكاتب)) (2) .
وميل شاعرنا إلى ضرورة أن تكون الصورة في القصيدة أعمق فنياً، وأوضح مثالية، وأفصح جمالاً، وأروع فتنة، لم يمنعه من أن يستقي من شاعر كبير كالبحتري المعاني التي تُمثلها اللحظة الشعورية وما يتصل بها من إيماء يُغني عن التفصيل، ولمحة تفتح أمام القارىء مجالات أرحب، فيها من الغنى والثراء والتعدد، ما يجعل المبدع يُلقي بكلمته ثم يترك للآخرين تفسير ما عناه أو قصد إليه بل إنه استطاع أن يفيد أيضاً مما قاله النقاد عن طبيعة الشعر، وفي مقدمتهم (الجاحظ، 159 - 255هـ)، الذي سبق عصره بالقول ((المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي، والقروي، والمدني وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير الألفاظ وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطبع وجودة السبك، فإنما الشعر صناعة، وضرب من النسيج، وجنس من التصوير)) (3) .
وهذا الجمع بين ثقافات نقدية عربية شتى، يُعبر عن ثقافة (شحاتة) الواسعة، التي استطاع من خلالها أن يهضم، عن مقدرة ووعي، كل ما قرأ، ثم يخرج لنا شاعراً متميزاً. ولقد عبر عن هذه الشاعرية في هذه المقدمة التي كانت في حقيقتها بياناً شعرياً أصيلاً ومتجدداً.
فهو بعد أن بدأ حديثه بمادة البناء، وفنون الإبداع، والمقارنة بينها في أسلوب رصين ومتميز، لم يكن يخفي في جرسه ودقته في التصوير شعراً ونثراً على مجايليه من الشعراء والأدباء. فالأستاذ الكبير محمد حسين زيدان الذي كان من أنصار مدرسة (شحاتة) مثله في ذلك مثل القنديل، وضياء الدين رجب ومحمد علي مغربي، يتحدث عما يوضح هذه الحقيقة التي ذهبنا إليها ((وتحدثت طويلاً، فأغرقني جرسك في حب العاشقين لك حتى إذا قرأت لك مقالاً موقعاً بحرف ((قاف)) في جريدة ((صوت الحجاز)) وأنا في رانجون، ألقيتُ الجريدة من يدي، وقلت لصاحبي بعد أن رفعت صوتي، أتذوق جرسك فيما تكتب أقول لصاحبي: إن ((قاف)) هو (حمزة شحاتة) ورجعت إلى المدينة، وسألت لأصدق معرفتي لك فإذا أنت كاتب المقال)) (4) .
انتقل ((شحاتة)) في هذا الشأن المتصل بالإبداع الشعري: ((والشعر على ما يبدو أنه الصحيح، كلام وصناعة وفن، ولكنه في كل صورة من هذه الصور، الترف الحافل بمعاني القدرة المعبرة وذخائرها النفيسة، في أبهى الحُلل والأثواب، حتى بساطته، وهي من أسمى صفاته وغاياته، إنما تكون ترف البساطة الغنية بالمذخورات، لا فقرها العادي أو المتكلف)).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1183  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 265 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج