شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أزمة حرية الكلمة في الغرب
ـ لقد كان هدف المقالة التي نشرتها على صفحات جريدة المدينة بتاريخ 21/1/1408هـ، تحت عنوان ((المذكرات التي فجرت قضية حرية الصحافة في الغرب)) ، هو توضيح للسؤال الكبير الذي يدور في ذهن الفرد العربي عن مفهوم هذه الحرية في المجتمعات الأخرى التي تختلف رؤيتها الحضارية وتكوينها الفكري عن تلك المنطلقات التي تأسست عليها رؤية المجتمع الإِسلامي والعربي، وبالتالي فإنه يصبح من المتعذر عقد أي مقارنة بين رؤيتين مختلفتين في التكوين، ومتباعدتين - نسبياً - في استخلاص الحقائق من القضايا الفكرية المجردة.
ـ والغرب الذي توجهت حضارته، واتفقت آراء مفكريه على حفظ حق ما يسمى بحرية الكلمة لجميع أفراد المجتمع والدفاع عن هذا الحق من فوق المنابر السياسية والإعلامية في كل مناسبة يشعرون فيها - بحسب اعتقادهم - بخطر يهدد هذه القيمة الحضارية الهامة، هذا الغرب - نفسه - هو الذي يقع في تناقض غريب تجاه هذا الحق المزعوم، وآخر حدث في سلسلة هذه التناقضات الغربية ما أبدته الصحافة البريطانية من امتعاض كبير تجاه زيارة ((ماريه ليبون Marie Lepon)) - زعيم الجبهة اليمينية المتطرفة في فرنسا، لبريطانيا لإلقاء محاضرة على هامش المؤتمر السنوي لحزب المحافظين، ومع أن تاريخ ((ليبون)) مليء بالمآخذ الشخصية والسياسية كمشاركته في تعذيب المجاهدين الجزائريين في الحقبة الاستعمارية الفرنسية وتشجيعه على شرب الخمور بصورة مفرطة لبعض أصدقائه والذين لقوا حتفهم بسبب هذه العادة الرذيلة، وأخيراً انفصاله عن زوجته التي رفض مساعدتها فاضطرت للخدمة في البيوت، كل هذا لم يشكل عائقاً أمام إعطاء ((ليبون)) الفرصة ليقول كلمته ويوضح آراءه لأفراد الشعب البريطاني الذين يحظى بشيء من الشعبية بينهم، لقد كان العامل الأول والأخير الذي تسبب في إعاقة هذا الاتصال - بحسب رأي رئيس حزب المحافظين ((نورمان تيبيت Norman Tibbet)) - هو تصريح (ليبون) في مؤتمر صحفي عقد في فرنسا قال فيه: ((إن قضية الأفران الغازية أثناء الحرب العالمية الثانية هي أمر ثانوي، وإن كثيراً من المسيحيين (الألمان وغيرهم) ماتوا من جراء المد النازي الذي أراد أن يكتسح أوروبا عسكرياً وفكرياً)) .
ـ وحتى ندرك أبعاد هذه القضية التي أنست الغرب مبدأ حرية الكلمة الذي ينادي به، وأصابته بكثير من التناقض في مواقفه الفكرية، علينا أن نعرف أن الذي وجه الدعوة إلى الزعيم الفرنسي المتهم بعداء السامية - تملقاً لليهود - هو مستشار يهودي سابق في حزب المحافظين وأحد الممنوحين لقب (سير)، أما اسمه الحقيقي فهو ((ألفرد شيرمان Alford Sherman)) وقد عرف ((شيرمان)) هذا بآرائه العنصرية المتطرفة ضد جميع المهاجرين إلى بريطانيا - ما عدا بني جنسه من اليهود، إيماناً منه أن أوروبا يجب أن تظل وكراً لليهود، يحتلون منابرها السياسية، ويوجهون اقتصادها، ويحددون اتجاهاتها الإِعلامية. إن آراء معلنة كهذه لم تثر يوماً عاصفة سياسية أو ضجة إعلامية في المجتمع البريطاني، فصدورها من شخصية يهودية هو ضمان لها في أن يتقبلها الآخرون ثم يهضمونها قبل أن ترتفع أصواتهم بشيء من المعارضة والاستنكار.
ـ كما علينا أن نعرف أن الذي بدأ بمعارضة زيارة ((ليبون)) هو العضو العمالي في البرلمان الإِنجليزي وعضو مجلس النواب اليهودي ((جريفل جانير Grevill Janner)) ، ثم أثنى الآخرون وتسابقوا في إظهار الولاء، وكان الرفض عنيفاً لزيارة الضيف الفرنسي خوفاً على مشاعر اليهود من أن تخدش، أما أولئك المسلمون الذين عانوا من همجية ((ليبون)) وأمثاله، عندما كانت فرنسا تدعي أن الجزائر جزء منها، أو هؤلاء المهاجرون من العرب في فرنسا - في الوقت الحاضر - والذين يواجهون - في قوة وصمود - فاشية الحركة اليمينية المتطرفة فإن الغرب لم تتحرك عاطفته الإِنسانية تضامناً معهم ولم يقدم الورود وفاءً لذكراهم كما يفعل مع المعذبين في الأرض من غير المسلمين!
ـ هذا مثال واقعي من أمثلة عديدة يوضح لنا مدى تلك الانتكاسة التي أصيبت بها حرية الكلمة في الحضارة الأوروبية والتي لا يزال يصرخ كثير من زعمائها ومفكريها في وجوه الآخرين، بأنهم أول من تبنى فكرتها ودافع عن وجودها، ومع أن الحقيقة شيء آخر.. فإنه يكفينا اعتباراً أن الغرب بدأ يهدم صرح تلك القيمة الإنسانية المجردة، لقد وفر اليهود له معاول الهدم وما عليه إلا أن يستجيب!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :807  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 212 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.